الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الأشباه والنظائر على مذهب أبي حنيفة النعمان ***
حُكْمُهُ حُكْمُ الْمُسْلِمِينَ: إلَّا أَنَّهُ لَا يُؤْمَرُ بِالْعِبَادَاتِ، وَلَا تَصِحُّ مِنْهُ. وَلَا يَصِحُّ تَيَمُّمُهُ، وَيَصِحُّ وُضُوءُهُ وَغُسْلُهُ، فَلَوْ أَسْلَمَ جَازَتْ صَلَاتُهُ بِهِ. وَلَا يَأْثَمُ عَلَى تَرْكِ الْعِبَادَاتِ عَلَى قَوْلٍ، وَيَأْثَمُ عَلَى تَرْكِ اعْتِقَادِهَا إجْمَاعًا. وَلَا يُمْنَعُ مِنْ دُخُولِ الْمَسْجِدِ جُنُبًا بِخِلَافِ الْمُسْلِمِ، وَلَا يَتَوَقَّفُ جَوَازُ دُخُولِهِ عَلَى إذْنِ مُسْلِمٍ عِنْدَنَا، وَلَوْ كَانَ الْمَسْجِدُ الْحَرَامُ وَلَا يَصِحُّ نَذْرُهُ وَلَا سَهْمَ لَهُ مِنْ الْغَنِيمَةِ. وَيُرْضَخُ لَهُ إنْ قَاتَلَ أَوْ دَلَّ عَلَى الطَّرِيقِ، وَلَا يُحَدُّ بِشُرْبِ الْخَمْرِ وَلَا تُرَاقُ عَلَيْهِ، بَلْ تُرَدُّ عَلَيْهِ إذَا غُصِبَتْ مِنْهُ. وَيَضْمَنُ مُتْلِفُهَا لَهُ إلَّا أَنْ يُظْهِرَ بَيْعَهَا بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ فَلَا ضَمَانَ فِي إرَاقَتِهَا أَوْ يَكُونَ الْمُتْلِفُ إمَامًا يَرَى ذَلِكَ، بِخِلَافِ إتْلَافِ خَمْرِ الْمُسْلِمِ فَإِنَّهُ لَا يُوجِبُ الضَّمَانَ وَلَوْ كَانَ الْمُتْلِفُ ذِمِّيًّا، وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ إظْهَارُهُ شُرْبَهَا كَإِظْهَارِهِ بَيْعَهَا. وَلَمْ أَرَهُ الْآنَ، وَلَا يُمْنَعُ مِنْ لُبْسِ الْحَرِيرِ وَالذَّهَبِ، وَلَا يُعْتَرَضُ لَهُمْ لَوْ تَنَاكَحُوا فَاسِدًا أَوْ تَبَايَعُوا كَذَلِكَ ثُمَّ أَسْلَمُوا. وَفِي الْكَنْزِ: وَيُقْبَلُ قَوْلُ الْكَافِرِ فِي الْحِلِّ وَالْحُرْمَةِ. وَتَعَقَّبَهُ الزَّيْلَعِيُّ بِأَنَّهُ سَهْوٌ، وَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِيهِمَا. وَجَوَابُهُ أَنَّهُ يُقْبَلُ فِيهِمَا ضِمْنَ الْمُعَامَلَاتِ لَا مَقْصُودًا وَهُوَ مُرَادُهُ كَمَا أَفْصَحَ بِهِ فِي الْكَافِي. وَيَأْخُذُ الذِّمِّيُّ بِالتَّمْيِيزِ عَمَّا فِي الْمَرْكَبِ وَالْمَلْبَسِ فَيَرْكَبُونَ بِالْأُكُفِ وَلَا يَلْبَسُونَ الطَّيَالِسَةَ وَالْأَرْدِيَةَ وَلَا ثِيَابَ أَهْلِ الْعِلْمِ وَالشَّرَفِ، وَتُجْعَلُ عَلَى دُورِهِمْ عَلَامَةٌ، وَلَا يُحْدِثُونَ بِيعَةً وَلَا كَنِيسَةً فِي مِصْرَ. وَاخْتَلَفَتْ الرِّوَايَةُ فِي سُكْنَاهُمْ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ فِي الْمِصْرِ، وَالْمُعْتَمَدُ الْجَوَازُ فِي مَحَلَّةٍ خَاصَّةٍ. وَاخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ رَحِمَهُمُ اللَّهُ هَلْ يَلْزَمُ تَمْيِيزُهُمْ بِجَمِيعِ الْعَلَامَاتِ أَوْ تَكْفِي وَاحِدَةٌ؟ وَالْمُعْتَمَدُ أَنَّهُمْ لَا يَرْكَبُونَ مُطْلَقًا وَلَا يَلْبَسُونَ الْعَمَائِمَ. وَإِنْ رَكِبَ الْحِمَارَ لِضَرُورَةٍ نَزَلَ فِي الْمَجَامِعِ. وَيُضَيَّقُ عَلَيْهِ فِي الْمُرُورِ، وَلَا يُرْجَمُ وَإِنَّمَا يُجْلَدُ. وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ تُقَامُ الْحُدُودُ كُلُّهَا عَلَيْهِ إلَّا حَدَّ شُرْبِ الْخَمْرِ، وَلَا يُبْدَأُ الذِّمِّيُّ بِسَلَامٍ إلَّا لِحَاجَةٍ وَلَا يُزَادُ فِي الْجَوَابِ عَلَى وَعَلَيْك، وَتُكْرَهُ مُصَافَحَتُهُ، وَيَحْرُمُ تَعْظِيمُهُ. وَيُكْرَهُ لِلْمُسْلِمِ أَنْ يُؤَجِّرَ نَفْسَهُ مِنْ كَافِرٍ لِعَصْرِ الْعِنَبِ. وَفِي الْمُلْتَقَطِ: كُلُّ شَيْءٍ امْتَنَعَ مِنْهُ الْمُسْلِمُ امْتَنَعَ مِنْهُ الذِّمِّيُّ إلَّا الْخَمْرَ وَالْخِنْزِيرَ. وَلَا تُكْرَهُ عِيَادَةُ جَارِهِ الذِّمِّيِّ وَلَا تُكْرَهُ ضِيَافَتُهُ، وَلَا تُعْتَبَرُ الْكَفَاءَةُ بَيْنَ أَهْلِ الذِّمَّةِ إلَّا إذَا كَانَتْ بِنْتُ مَلِكٍ خَدَعَهَا حَائِكٌ أَوْ كَنَّاسٌ فَيُفَرَّقُ لِتَسْكِينِ الْفِتْنَةِ كَذَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ.
تَنْبِيهٌ: الْإِسْلَامُ يَجُبُّ مَا قَبْلَهُ مِنْ حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى دُونَ حُقُوقِ الْآدَمِيِّينَ، كَالْقِصَاصِ وَضَمَانِ الْأَمْوَالِ إلَّا فِي مَسَائِلَ: لَوْ أَجْنَبَ الْكَافِرُ ثُمَّ أَسْلَمَ لَمْ تَسْقُطْ وَمِنْهَا لَوْ زَنَى ثُمَّ أَسْلَمَ وَكَانَ زِنَاهُ ثَابِتًا بِبَيِّنَةِ مُسْلِمِينَ لَمْ يَسْقُطْ الْحَدُّ بِإِسْلَامِهِ وَإِلَّا سَقَطَ.
تَنْبِيهٌ آخَرُ: اشْتِرَاكُ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى فِي وَضْعِ الْجِزْيَةِ وَحِلِّ الْمُنَاكَحَةِ وَالذَّبَائِحِ وَفِي الدِّيَةِ. وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ شَارَكَهُمْ الْمَجُوسِيُّ فِي الْجِزْيَةِ وَالدِّيَةِ دُونَ الْآخَرَيْنِ وَاسْتَوَى أَهْلُ الذِّمَّةِ فِيمَا ذُكِرَ. وَقَتْلُ الْمُسْلِمِ بِالذِّمِّيِّ وَدِيَةُ الْكَافِرِ وَالْمُسْلِمِ سَوَاءٌ، وَلَا يُقْتَلُ الْمُسْلِمُ وَالذِّمِّيُّ بِمُسْتَأْمَنٍ.
تَنْبِيهٌ آخَرُ: لَا تَوَارَثَ بَيْنَ الْمُسْلِمِ وَالْكَافِرِ، وَيَجْرِي الْإِرْثُ بَيْنَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوس، وَالْكُفْرُ كُلُّهُ عِنْدَنَا مِلَّةٌ وَاحِدَةٌ بِشَرْطِ اتِّحَادِ الدَّارِ، وَالْكُفَّارُ يَتَعَاقَلُونَ فِيمَا بَيْنَهُمْ، وَإِنْ اخْتَلَفَتْ مِلَلُهُمْ وَخَرَجَ الْمُرْتَدُّ، فَإِنَّهُ يَرِثُ كَسْبَ إسْلَامِهِ وَرَثَتُهُ الْمُسْلِمُونَ مَعَ عَدَمِ الِاتِّحَادِ.
قَلَّ مَنْ تَعَرَّضَ لَهَا، وَقَدْ أَلَّفَ فِيهَا مِنْ أَصْحَابِنَا الْقَاضِي بَدْرُ الدِّينِ الشِّبْلِيُّ فِي كِتَابِهِ آكَامِ الْمَرْجَانِ فِي أَحْكَامِ الْجَانِّ " لَكِنِّي لَمْ أَطَّلِعْ عَلَيْهِ الْآنَ، وَمَا نَقَلْته عَنْهُ فَإِنَّمَا هُوَ بِوَاسِطَةِ نَقْلِ الْأُسْيُوطِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ. وَلَا خِلَافَ فِي أَنَّهُمْ مُكَلَّفُونَ: مُؤْمِنُهُمْ فِي الْجَنَّةِ وَكَافِرُهُمْ فِي النَّارِ، وَإِنَّمَا اخْتَلَفُوا فِي ثَوَابِ الطَّائِعِينَ. فَفِي الْبَزَّازِيَّةِ مُعَزِّيًا إلَى الْأَجْنَاسِ عَنْ الْإِمَامِ: لَيْسَ لِلْجِنِّ ثَوَابٌ، وَفِي التَّفَاسِيرِ تَوَقَّفَ الْإِمَامُ فِي ثَوَابِ الْجِنِّ لِأَنَّهُ جَاءَ فِي الْقُرْآنِ فِيهِمْ: {يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ} وَالْمَغْفِرَةُ لَا تَسْتَلْزِمُ الْإِثَابَةَ لِأَنَّهُ سَتْرٌ، وَمِنْهُ الْمِغْفَرُ لِلْبَيْضَةِ، وَالْإِثَابَةُ بِالْوَعْدِ فَضْلٌ. قَالَتْ الْمُعْتَزِلَةُ: أُوعِدَ ظَالِمُهُمْ فَيَسْتَحِقُّ الْعِقَابَ، وَيَسْتَحِقُّ الثَّوَابَ صَالِحُهُمْ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَأَمَّا الْقَاسِطُونَ فَكَانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَبًا}. قُلْنَا: الثَّوَابُ فَضْلٌ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى لَا بِالِاسْتِحْقَاقِ، فَإِنْ قِيلَ قَوْله تَعَالَى: {فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ} بَعْدَ عَدِّ نَعِيمِ الْجَنَّةِ خِطَابًا لِلثَّقَلَيْنِ يَرُدُّ مَا ذَكَرْتُ. قُلْنَا: ذَكَرُوا أَنَّ الْمُرَادَ بِالتَّوَقُّفِ: التَّوَقُّفُ فِي الْمَأْكَلِ وَالْمَشْرَبِ وَالْمَلَاذِّ، لَا الدُّخُولُ فِيهِ كَدُخُولِ الْمَلَائِكَةِ لِلسَّلَامِ وَالزِّيَارَةِ وَالْخِدْمَةِ: {وَالْمَلَائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ سَلَامٌ} الْآيَةَ. (انْتَهَى). فَمِنْهَا النِّكَاحُ: قَالَ فِي السِّرَاجِيَّةِ: لَا تَجُوزُ الْمُنَاكَحَةُ بَيْنَ بَنِي آدَمَ وَالْجِنِّ وَإِنْسَانِ الْمَاءِ لِاخْتِلَافِ الْجِنْسِ. (انْتَهَى). وَتَبِعَهُ فِي مُنْيَةِ الْمُفْتِي وَالْفَيْضِ، وَفِي الْقُنْيَةِ: سُئِلَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ التَّزْوِيجِ بِجِنِّيَّةٍ فَقَالَ: يَجُوزُ بِلَا شُهُودٍ، ثُمَّ رَقَّمَ آخَرُ فَقَالَ: لَا يَجُوزُ، ثُمَّ رَقَّمَ آخَرُ: يُصْفَعُ السَّائِلُ لِحَمَاقَتِهِ. (انْتَهَى). وَفِي يَتِيمَةِ الدَّهْرِ فِي فَتَاوَى أَهْلِ الْعَصْرِ: سُئِلَ عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ عَنْ التَّزْوِيجِ بِامْرَأَةٍ مُسْلِمَةٍ مِنْ الْجِنِّ؛ هَلْ يَجُوزُ إذَا تُصُوِّرَ ذَلِكَ أَمْ يَخْتَصُّ الْجَوَازُ بِالْآدَمِيِّينَ؟ فَقَالَ: يُصْفَعُ هَذَا السَّائِلُ لِحَمَاقَتِهِ وَجَهْلِهِ. قُلْت: وَهَذَا لَا يَدُلُّ عَلَى حَمَاقَةِ السَّائِلِ وَكَانَ لَا يُتَصَوَّرُ؛ أَلَا تَرَى أَنَّ أَبَا اللَّيْثِ رَحِمَهُ اللَّهُ ذَكَرَ فِي فَتَاوَاهُ أَنَّ الْكُفَّارَ لَوْ تَتَرَّسُوا بِنَبِيٍّ مِنْ الْأَنْبِيَاءِ، هَلْ يُرْمَى؟ فَقَالَ يُسْأَلُ ذَلِكَ النَّبِيُّ، وَلَا يُتَصَوَّرُ ذَلِكَ بَعْدَ رَسُولِنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَكِنْ أَجَابَ عَلَى تَقْدِيرِ التَّصَوُّرِ كَذَا هَذَا. وَسُئِلَ عَنْهَا أَبُو حَامِدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ فَقَالَ لَا يَجُوزُ. (انْتَهَى). وَقَدْ اسْتَدَلَّ بَعْضُهُمْ عَلَى تَحْرِيمِ نِكَاحِ الْجِنِّيَّاتِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى فِي سُورَةِ النَّحْلِ: {وَاَللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا} أَيْ مِنْ جِنْسِكُمْ وَنَوْعِكُمْ وَعَلَى خَلْقِكُمْ، كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ} أَيْ مِنْ الْآدَمِيِّينَ. (انْتَهَى). وَبَعْضُهُمْ اسْتَدَلَّ بِمَا رَوَاهُ حَرْبٌ الْكَرْمَانِيُّ فِي مَسَائِلِهِ عَنْ أَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ. قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى الْقَطِيعِيُّ: حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ عُمَرَ بْنِ لَهِيعَةَ عَنْ يُونُسَ بْنِ يَزِيدَ عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ: نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ عَنْ نِكَاحِ الْجِنِّ، وَهُوَ وَإِنْ كَانَ مُرْسَلًا فَقَدْ اُعْتُضِدَ بِأَقْوَالِ الْعُلَمَاءِ، فَرُوِيَ الْمَنْعُ عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَقَتَادَةَ وَالْحَاكِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ وَإِسْحَاقَ بْنِ رَاهْوَيْهِ وَعُقْبَةَ بْنِ الْأَصَمِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ. فَإِذَا تَقَرَّرَ الْمَنْعُ مِنْ نِكَاحِ الْإِنْسِيِّ الْجِنِّيَّةَ؛ فَالْمَنْعُ مِنْ نِكَاحِ الْجِنِّيِّ الْإِنْسِيَّةَ مِنْ بَابِ أَوْلَى، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ فِي السِّرَاجِيَّةِ: لَا تَجُوزُ الْمُنَاكَحَةُ، وَهُوَ شَامِلٌ لَهُمَا، لَكِنْ رَوَى أَبُو عُثْمَانَ بْنُ سَعِيدِ بْنِ الْعَبَّاسِ الرَّازِيّ فِي كِتَابِ الْإِلْهَامِ وَالْوَسْوَسَةِ فَقَالَ: حَدَّثَنَا مُقَاتِلٌ عَنْ سَعِيدِ بْنِ دَاوُد الزَّبِيدِيِّ قَالَ: كَتَبَ قَوْمٌ مِنْ أَهْلِ الْيَمَنِ إلَى مَالِكٍ يَسْأَلُونَهُ عَنْ نِكَاحِ الْجِنِّ وَقَالُوا: إنَّ هُنَا رَجُلًا مِنْ الْجِنِّ يَخْطُبُ إلَيْنَا جَارِيَةً يَزْعُمُ أَنَّهُ يُرِيدُ الْحَلَالَ. فَقَالَ: مَا أَرَى بِذَلِكَ بَأْسًا فِي الدِّينِ، وَلَكِنْ أَكْرَهُ إذَا وَجَدَ امْرَأَةً حَامِلًا قِيلَ لَهَا مَنْ زَوْجُكِ قَالَتْ مِنْ الْجِنِّ فَيَكْثُرُ الْفَسَادُ فِي الْإِسْلَامِ بِذَلِكَ. (انْتَهَى). وَمِنْهَا لَوْ وَطِئَ الْجِنِّيُّ إنْسِيَّةً فَهَلْ يَجِبُ عَلَيْهَا الْغُسْلُ؟ قَالَ قَاضِي خَانْ فِي فَتَاوِيهِ: امْرَأَةٌ قَالَتْ: مَعِي جِنِّيٌّ يَأْتِينِي فِي النَّوْمِ مِرَارًا وَأَجِدُ فِي نَفْسِي مَا أَجِدُ لَوْ جَامَعَنِي زَوْجِي. لَا غُسْلَ عَلَيْهَا. (انْتَهَى). وَقَيَّدَهُ الْكَمَالُ بِمَا إذَا لَمْ تُنْزِلْ؛ أَمَّا إذَا أَنْزَلَتْ وَجَبَ كَأَنَّهُ احْتِلَامٌ. وَمِنْهَا انْعِقَادُ الْجَمَاعَةِ بِالْجِنِّ، ذَكَرَهُ الْأُسْيُوطِيُّ عَنْ صَاحِبِ آكَامِ الْمَرْجَانِ مِنْ أَصْحَابِنَا مُسْتَدِلًّا بِحَدِيثِ أَحْمَدَ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي قِصَّةِ الْجِنِّ وَفِيهِ: فَلَمَّا قَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي أَدْرَكَهُ شَخْصَانِ مِنْهُمْ فَقَالَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّا نُحِبُّ أَنْ تَؤُمَّنَا فِي صَلَاتِنَا قَالَ: فَصَفَّهُمَا خَلْفَهُ ثُمَّ صَلَّى بِهِمَا ثُمَّ انْصَرَفَ. وَنَظِيرُ ذَلِكَ مَا ذَكَرَهُ السُّبْكِيُّ أَنَّ الْجَمَاعَةَ تَحْصُلُ بِالْمَلَائِكَةِ، وَفَرَّعَ عَلَى ذَلِكَ؛ لَوْ صَلَّى فِي فَضَاءٍ بِأَذَانٍ وَإِقَامَةٍ مُنْفَرِدًا ثُمَّ حَلَفَ أَنَّهُ صَلَّى بِالْجَمَاعَةِ لَمْ يَحْنَثْ. وَمِنْهَا صِحَّةُ الصَّلَاةِ خَلْفَ الْجِنِّيِّ ذَكَرَهُ فِي آكَامِ الْمَرْجَانِ. وَمِنْهَا إذَا مَرَّ الْجِنِّيُّ بَيْنَ يَدَيْ الْمُصَلِّي يُقَاتَلُ كَمَا يُقَاتَلُ الْإِنْسِيُّ وَمِنْهَا لَا يَجُوزُ قَتْلُ الْجِنِّيِّ بِغَيْرِ حَقٍّ كَالْإِنْسِيِّ. قَالَ الزَّيْلَعِيُّ قَالُوا: يَنْبَغِي أَنْ لَا تُقْتَلَ الْحَيَّةُ الْبَيْضَاءُ الَّتِي تَمْشِي مُسْتَوِيَةً؛ لِأَنَّهَا مِنْ الْجَانِّ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ: «اُقْتُلُوا ذَا الطُّفْيَتَيْنِ وَالْأَبْتَرَ، وَإِيَّاكُمْ وَالْحَيَّةَ الْبَيْضَاءَ فَإِنَّهَا مِنْ الْجِنِّ». وَقَالَ الطَّحَاوِيُّ: لَا بَأْسَ بِقَتْلِ الْكُلِّ؛ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَاهَدَ الْجِنَّ أَنْ لَا يَدْخُلُوا بُيُوتَ أُمَّتِهِ وَلَا يُظْهِرُوا أَنْفُسَهُمْ، فَإِذَا خَالَفُوا فَقَدْ نَقَضُوا عَهْدَهُمْ فَلَا حُرْمَةَ لَهُمْ. وَالْأَوْلَى هُوَ الْإِنْذَارُ وَالْإِعْذَارُ فَيُقَالُ لَهَا: ارْجِعِي بِإِذْنِ اللَّهِ تَعَالَى أَوْ خَلِّي طَرِيقَ الْمُسْلِمِينَ فَإِنْ أَبَتْ قَتَلَهَا، وَالْإِنْذَارُ إنَّمَا يَكُونُ خَارِجَ الصَّلَاةِ. (انْتَهَى). وَقَدْ رُوِيَ عَنْ ابْنِ أَبِي الدُّنْيَا أَنَّ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا رَأَتْ فِي بَيْتِهَا حَيَّةً فَأَمَرَتْ بِقَتْلِهَا فَقُتِلَتْ فَأَتَيْت فِي تِلْكَ اللَّيْلَةِ فَقِيلَ لَهَا إنَّهَا مِنْ النَّفَرِ الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْوَحْيَ مِنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَرْسَلَتْ إلَى الْيَمَنِ فَابْتِيعَ لَهَا أَرْبَعُونَ رَأْسًا فَأَعْتَقَتْهُمْ وَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ، وَفِيهِ: فَلَمَّا أَصْبَحَتْ أَمَرَتْ بِاثْنَيْ عَشَرَ أَلْفَ دِرْهَمٍ فَفُرِّقَتْ عَلَى الْمَسَاكِينِ وَمِنْهَا قَبُولُ رِوَايَةِ الْجِنِّيِّ ذَكَرَهُ صَاحِبُ آكَامِ الْمَرْجَانِ، وَذَكَرَ الْأُسْيُوطِيُّ أَنَّهُ لَا شَكَّ فِي جَوَازِ رِوَايَتِهِمْ عَنْ الْإِنْسِ مَا سَمِعُوهُ؛ سَوَاءٌ عَلِمَ الْإِنْسِيُّ بِهِمْ أَوْ لَا، وَإِذَا أَجَازَ الشَّيْخُ مَنْ حَضَرَ دَخَلَ الْجِنُّ كَمَا فِي نَظِيرِهِ مِنْ الْإِنْسِ. وَأَمَّا رِوَايَةُ الْإِنْسِ عَنْهُمْ فَالظَّاهِرُ مَنْعُهَا لِعَدَمِ حُصُولِ الثِّقَةِ بَعْدَ التُّهَمِ. وَمِنْهَا لَا يَجُوزُ الِاسْتِنْجَاءُ بِزَادِ الْجِنِّ وَهُوَ الْعَظْمُ كَمَا ثَبَتَ فِي الْحَدِيثِ. وَمِنْهَا أَنَّ ذَبِيحَتَهُ لَا تَحِلُّ. قَالَ فِي الْمُلْتَقَطِ: وَعَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ نَهَى عَنْ ذَبَائِحِ الْجِنِّ. (انْتَهَى). وَقَدْ ذَكَرَ الْإِمَامُ الْكُرْدِيُّ فِي مَنَاقِبِهِ فِي فَضْلِ قِرَاءَةِ الْإِمَامِ شَيْئًا مِنْ أَحْكَامِ الْجَانِّ وَأَوْلَادِ الشَّيْطَانِ وَبَيَانِ الْغُولِ وَالْكَلَامِ عَلَى جَمَاعَتِهِمْ وَأَكْلِهِمْ.
فَوَائِدُ: الْأُولَى: الْجُمْهُورُ؛ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مِنْ الْجِنِّ نَبِيٌّ، وَأَمَّا قَوْله تَعَالَى: {يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ}. فَتَأَوَّلُوهُ عَلَى أَنَّهُمْ رُسُلٌ عَنْ الرُّسُلِ سَمِعُوا كَلَامَهُمْ فَأَنْذَرُوا قَوْمَهُمْ، لَا عَنْ اللَّهِ تَعَالَى. وَذَهَبَ الضَّحَّاكُ وَابْنُ حَزْمٍ عَلَى أَنَّهُ كَانَ مِنْهُمْ نَبِيٌّ تَمَسُّكًا بِحَدِيثِ: «وَكَانَ النَّبِيُّ يُبْعَثُ إلَى قَوْمِهِ خَاصَّةً» قَالَ: وَلَيْسَ الْجِنُّ مِنْ قَوْمِهِ وَلَا شَكَّ أَنَّهُمْ أُنْذِرُوا فَصَحَّ أَنَّهُ جَاءَهُمْ أَنْبِيَاءٌ مِنْهُمْ. الثَّانِيَةُ: قَالَ الْبَغَوِيّ فِي تَفْسِيرِ الْأَحْقَافِ: وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ كَانَ مَبْعُوثًا إلَى الْإِنْسِ وَالْجِنِّ جَمِيعًا، قَالَ مُقَاتِلٌ رَحِمَهُ اللَّهُ: لَمْ يُبْعَثْ قَبْلَهُ نَبِيٌّ إلَى الْإِنْسِ وَالْجِنِّ وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي حُكْمِ مُؤْمِنِي الْجِنِّ. فَقَالَ قَوْمٌ: لَا ثَوَابَ لَهُمْ إلَّا النَّجَاةُ مِنْ النَّارِ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ. وَعَنْ اللَّيْثِ: ثَوَابُهُمْ أَنْ يُجَارُوا مِنْ النَّارِ ثُمَّ يُقَالُ لَهُمْ كُونُوا تُرَابًا كَالْبَهَائِمِ. وَعَنْ أَبِي الزِّنَادِ كَذَلِكَ. وَقَالَ آخَرُونَ. يُثَابُونَ كَمَا يُعَاقَبُونَ. وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَابْنُ أَبِي لَيْلَى رَحِمَهُمَا اللَّهُ. وَعَنْ الضَّحَّاكِ أَنَّهُمْ يُلْهَمُونَ التَّسْبِيحَ وَالذِّكْرَ فَيُصِيبُونَ مِنْ لَذَّتِهِ مَا يُصِيبُهُ بَنُو آدَمَ. مِنْ نَعِيمِ الْجَنَّةِ. وَقَالَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ: إنَّ مُؤْمِنِي الْجِنِّ حَوْلَ الْجَنَّةِ فِي رَبَضِهَا وَلَيْسُوا فِيهَا. (انْتَهَى). الثَّالِثَةُ: ذَهَبَ الْحَارِثُ الْمُحَاسِبِيُّ إنَّ الْجِنَّ الَّذِينَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يَكُونُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ؛ نَرَاهُمْ وَلَا يَرَوْنَا عَكْسَ مَا كَانُوا عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا الرَّابِعَةُ: صَرَّحَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ بِأَنَّ الْمَلَائِكَةَ فِي الْجَنَّةِ لَا يَرَوْنَ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ: {لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ} وَقَدْ اسْتَثْنَى مِنْهُ مُؤْمِنِي الْبَشَرِ فَبَقِيَ عَلَى عُمُومِهِ فِي الْمَلَائِكَةِ. قَالَ فِي آكَامِ الْمَرْجَانِ: وَمُقْتَضَى هَذَا أَنَّ الْجِنَّ لَا يَرَوْهُ لِأَنَّ الْآيَةَ بَاقِيَةٌ عَلَى الْعُمُومِ فِيهِمْ أَيْضًا. (انْتَهَى). وَلَمْ يَتَعَقَّبْهُ الْأُسْيُوطِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ، وَفِي الِاسْتِدْلَالِ عَلَى عَدَمِ رُؤْيَةِ الْمَلَائِكَةِ وَالْجِنِّ بِالْآيَةِ نَظَرٌ، لِأَنَّهَا لَا تَدُلُّ عَلَى عَدَمِ رُؤْيَةِ الْمُؤْمِنِينَ أَصْلًا فَلَا اسْتِثْنَاءَ قَالَ الْقَاضِي الْبَيْضَاوِيُّ: لَا تُدْرِكُهُ أَيْ لَا تُحِيطُ بِهِ. وَاسْتَدَلَّتْ الْمُعْتَزِلَةُ عَلَى امْتِنَاعِ الرُّؤْيَةِ وَهُوَ ضَعِيفٌ؛ إذْ لَيْسَ الْإِدْرَاكُ بِمُطْلَقِ الرُّؤْيَةِ؛ وَلَا النَّفْيُ فِي الْآيَةِ عَامًّا فِي الْأَوْقَاتِ؛ فَلَعَلَّهُ مَخْصُوصٌ بِبَعْضِ الْحَالَاتِ، وَلَا فِي الْأَشْخَاصِ فَإِنَّهُ فِي قُوَّةِ قَوْلِنَا: كُلُّ بَصَرٍ لَا يُدْرِكُهُ مَعَ أَنَّ النَّفْيَ لَا يُوجِبُ الِامْتِنَاعَ. (انْتَهَى)
الْمَحْرَمُ عِنْدَنَا مَنْ حَرُمَ نِكَاحُهُ عَلَى التَّأْبِيدِ بِنَسَبٍ أَوْ مُصَاهَرَةٍ أَوْ رَضَاعٍ. وَلَوْ بِوَطْءٍ حَرَامٍ؛ فَخَرَجَ بِالْأَوَّلِ وَلَد الْعُمُومَةِ وَالْخُؤُولَةِ وَبِالثَّانِي أُخْتُ الزَّوْجَةِ وَعَمَّتُهَا أَوْ خَالَتُهَا، وَشَمِلَ أُمَّ الْمَزْنِيِّ بِهَا وَبِنْتَهَا وَآبَاءَ الزَّانِي وَابْنَهُ. وَأَحْكَامُهُ: تَحْرِيمُ النِّكَاحِ وَجَوَازُ النَّظَرِ وَالْخَلْوَةِ وَالْمُسَافَرَةِ إلَّا الْمَحْرَمَ مِنْ الرَّضَاعِ، فَإِنَّ الْخَلْوَةَ بِهَا مَكْرُوهَةٌ وَكَذَا بِالصِّهْرَةِ الشَّابَّةِ، وَحُرْمَةُ النِّكَاحِ عَلَى التَّأْبِيدِ لَا مُشَارَكَةَ لِلْمَحْرَمِ فِيهَا؛ فَإِنَّ الْمُلَاعَنَةَ تَحِلُّ إذَا كَذَّبَ نَفْسَهُ أَوْ خَرَجَ عَنْ أَهْلِيَّةِ الشَّهَادَةِ، وَالْمَجُوسِيَّةُ تَحِلُّ بِالْإِسْلَامِ أَوْ بِتَهَوُّدِهَا أَوْ تَنَصُّرِهَا، وَالْمُطَلَّقَةُ ثَلَاثًا بِدُخُولِ الثَّانِي وَانْقِضَاءِ عِدَّتِهِ، وَمَنْكُوحَةُ الْغَيْرِ بِطَلَاقِهَا وَانْقِضَاءِ عِدَّتِهَا، وَمُعْتَدَّةُ الْغَيْرِ بِانْقِضَاءِ عِدَّتِهَا. وَكَذَا لَا مُشَارَكَةَ لِلْمَحْرَمِ فِي جَوَازِ النَّظَرِ وَالْخَلْوَةِ وَالسَّفَرِ، وَأَمَّا عَبْدُهَا فَكَالْأَجْنَبِيِّ عَلَى الْمُعْتَمَدِ لَكِنَّ الزَّوْجَ يُشَارِكُ الْمَحْرَمَ فِي هَذِهِ الثَّلَاثَةِ، وَالنِّسَاءُ الثِّقَاتُ لَا يَقُمْنَ مَقَامَ الزَّوْجِ وَالْمَحْرَمِ فِي السَّفَرِ.
وَاخْتُصَّ الْمَحْرَمُ النَّسَبِيُّ بِأَحْكَامٍ: مِنْهَا عِتْقُهُ عَلَى قَرِيبِهِ لَوْ مَلِكَهُ؛ وَلَا يَخْتَصُّ بِالْأَصْلِ وَالْفَرْعِ. وَمِنْهَا وُجُوبُ نَفَقَةِ الْفَقِيرِ الْعَاجِزِ عَلَى قَرِيبِهِ الْغَنِيِّ فَلَا بُدَّ مِنْ كَوْنِهِ رَحِمًا مَحْرَمًا مِنْ جِهَةِ الْقَرَابَةِ، فَإِنَّ الْعَمَّ وَالْأَخَ مِنْ الرَّضَاعِ لَا يُعْتَقُ وَلَا تَجِبُ نَفَقَتُهُ، وَيُغَسِّلُ الْمَحْرَمُ قَرِيبَتَهُ. وَمِنْهَا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ التَّفْرِيقُ بَيْنَ صَغِيرٍ وَمَحْرَمٍ بِبَيْعٍ أَوْ هِبَةٍ إلَّا فِي عَشْرَةِ مَسَائِلَ ذَكَرْنَاهَا فِي شَرْحِ الْكَنْزِ؛ فَإِنْ فَرَّقَ صَحَّ الْبَيْعُ. وَمِنْهَا أَنَّ الْمَحْرَمِيَّةَ مَانِعَةٌ مِنْ الرُّجُوعِ فِي الْهِبَةِ. وَتَخْتَصُّ الْأُصُولُ وَالْفُرُوعُ مِنْ بَيْنِ سَائِرِ الْمَحَارِمِ بِأَحْكَامٍ: مِنْهَا أَنَّهُ لَا يُقْطَعُ أَحَدُهُمَا بِسَرِقَةِ مَالِ الْآخَرِ. وَمِنْهَا لَا يَقْضِي وَلَا يَشْهَدُ أَحَدُهُمَا لِلْآخَرِ. وَمِنْهَا تَحْرِيمُ مَوْطُوءَةِ كُلٍّ مِنْهُمَا عَلَى الْآخَرِ وَلَوْ بِزِنًا. وَمِنْهَا تَحْرِيمُ مَنْكُوحَةِ كُلٍّ مِنْهُمَا عَلَى الْآخَرِ بِمُجَرَّدِ الْعَقْدِ. وَمِنْهَا لَا يَدْخُلُونَ فِي الْوَصِيَّةِ لِلْأَقَارِبِ.
وَتَخْتَصُّ الْأُصُولُ بِأَحْكَامٍ: مِنْهَا لَا يَجُوزُ لَهُ قَتْلُ أَصْلِهِ الْحَرْبِيِّ إلَّا دَفْعًا عَنْ نَفْسِهِ، وَإِنْ خَافَ رُجُوعَهُ ضَيَّقَ عَلَيْهِ وَأَلْجَأَهُ لِيَقْتُلَهُ غَيْرُهُ، وَلَهُ قَتْلُ فَرْعِهِ الْحَرْبِيِّ كَمَحْرَمِهِ. وَمِنْهَا لَا يُقْتَلُ الْأَصْلُ بِفَرْعِهِ وَيُقْتَلُ الْفَرْعُ بِأَصْلِهِ. وَمِنْهَا لَا تَجُوزُ مُسَافَرَةُ الْفَرْعِ إلَّا بِإِذْنِ أَصْلِهِ دُون عَكْسِهِ. وَمِنْهَا لَوْ ادَّعَى الْأَصْلُ وَلَدَ جَارِيَةِ ابْنِهِ ثَبَتَ نَسَبُهُ. وَالْجَدُّ أَبُ الْأَبِ كَالْأَبِ عِنْدَ عَدَمِهِ وَلَوْ حُكْمًا لِعَدَمِ الْأَهْلِيَّةِ بِخِلَافِ الْفَرْعِ إذَا ادَّعَى وَلَدَ جَارِيَةِ أَصْلِهِ لَمْ يَصِحَّ إلَّا بِتَصْدِيقِ الْأَصْلِ. وَمِنْهَا لَا يَجُوزُ الْجِهَادُ إلَّا بِإِذْنِهِمْ بِخِلَافِ الْأُصُولِ لَا يَتَوَقَّفُ جِهَادُهُمْ عَلَى إذْنِ الْفُرُوعِ. وَمِنْهَا لَا تَجُوزُ الْمُسَافَرَةُ إلَّا بِإِذْنِهِمْ، إنْ كَانَ الطَّرِيقُ مَخُوفًا، وَإِلَّا فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُلْتَحِيًا فَكَذَلِكَ وَإِلَّا فَلَا. وَمِنْهَا إذَا دَعَاهُ أَحَدُ أَبَوَيْهِ فِي الصَّلَاةِ وَجَبَتْ إجَابَتُهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ عَالِمًا بِكَوْنِهِ فِيهَا. وَلَمْ أَرَ حُكْمَ الْأَجْدَادِ وَالْجَدَّاتِ. وَيَنْبَغِي الْإِلْحَاقُ. وَمِنْهَا كَرَاهَةُ حُجَّةٍ بِدُونِ إذْنِ مَنْ كَرِهَهُ مِنْ أَبَوَيْهِ إنْ احْتَاجَ إلَى خِدْمَتِهِ. وَمِنْهَا جَوَازُ تَأْدِيبِ الْأَصْلِ فَرْعَهُ. وَالظَّاهِرُ عَدَمُ الِاخْتِصَاصِ بِالْأَبِ فَالْأُمُّ وَالْأَجْدَادُ وَالْجَدَّاتُ كَذَلِكَ. وَلَمْ أَرَهُ الْآنَ. وَمِنْهَا تَبَعِيَّةُ الْفَرْعِ لِلْأَصْلِ فِي الْإِسْلَامِ. وَكَتَبْنَا مَسَائِلَ الْجَدِّ وَمَا يَقُومُ مَقَامَ الْأَبِ فِيهِ فِي فَنِّ الْفَوَائِدِ. وَمِنْهَا لَا يُحْبَسُونَ بِدَيْنِ الْفَرْعِ، وَالْأَجْدَادُ وَالْجَدَّاتُ كَذَلِكَ. وَاخْتَصَّ الْأُصُولُ الذُّكُورُ بِوُجُوبِ الْإِعْفَافِ وَاخْتَصَّ الْأَبُ وَالْجَدُّ بِأَحْكَامٍ: مِنْهَا وِلَايَةُ الْمَالِ، فَلَا وِلَايَةَ لِلْأُمِّ فِي مَالِ الصَّغِيرِ إلَّا الْحِفْظُ وَشِرَاءُ مَا لَا بُدَّ مِنْهُ لِلصَّغِيرِ وَمِنْهَا تَوَلِّي طَرَفَيْ الْعَقْدِ؛ فَلَوْ بَاعَ الْأَبُ مَالَهُ مِنْ ابْنِهِ أَوْ اشْتَرَى وَلَيْسَ فِيهِ غَبْنٌ فَاحِشٌ انْعَقَدَ بِكَلَامٍ وَاحِدٍ. وَمِنْهَا عَدَمُ خِيَارِ الْبُلُوغِ فِي تَزْوِيجِ الْأَبِ وَالْجَدِّ فَقَطْ، وَأَمَّا وِلَايَةُ الْإِنْكَاحِ فَلَا تَخْتَصُّ بِهِمَا فَتَثْبُتُ لِكُلِّ وَلِيٍّ سَوَاءٌ كَانَ عَصَبَةً أَوْ مِنْ ذَوِي الْأَرْحَامِ، وَكَذَا الصَّلَاةُ فِي الْجِنَازَةِ لَا تَخْتَصُّ بِهِمَا. وَفِي الْمُلْتَقَطِ مِنْ النِّكَاحِ: لَوْ ضَرَبَ الْمُعَلِّمُ الْوَلَدَ بِإِذْنِ الْأَبِ فَهَلَكَ لَمْ يَغْرَمْ إلَّا أَنْ يَضْرِبَ ضَرْبًا لَا يُضْرَبُ مِثْلُهُ وَلَوْ ضَرَبَ بِإِذْنِ الْأُمِّ غَرِمَ الدِّيَةَ إذَا هَلَكَ. وَالْجَدُّ كَالْأَبِ عِنْدَ فَقْدِهِ، إلَّا فِي اثْنَتَيْ عَشَرَةَ مَسْأَلَةً ذَكَرْنَاهَا فِي الْفَوَائِد مِنْ كِتَابِ الْفَرَائِضِ وَذَكَرْنَا مَا خَالَفَ فِيهِ الْجَدُّ الصَّحِيحُ الْفَاسِدَ.
فَائِدَةٌ: يَتَرَتَّبُ عَلَى النَّسَبِ اثْنَا عَشَرَ حُكْمًا: تَوْرِيثُ الْمَالِ، وَالْوَلَاءُ، وَعَدَمُ صِحَّةِ الْوَصِيَّةِ عِنْدَ الْمُزَاحَمَةِ، وَيُلْحَقُ بِهَا الْإِقْرَارُ بِالدَّيْنِ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ، وَتَحَمُّلُ الدِّيَةِ، وَوِلَايَةُ التَّزْوِيجِ، وَوِلَايَةُ غُسْلِ الْمَيِّتِ، وَالصَّلَاةُ عَلَيْهِ، وَوِلَايَةُ الْمَالِ، وَوِلَايَةُ الْحَضَانَةِ، وَطَلَبُ الْحَدِّ، وَسُقُوطُ الْقِصَاصِ.
يَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا أَحْكَامٌ: وُجُوبُ الْغُسْلِ وَتَحْرِيمُ الصَّلَاةِ وَالسُّجُودِ وَالْخُطْبَةِ وَالطَّوَافِ وَقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ وَحَمْلِ الْمُصْحَفِ وَمَسِّهِ وَكِتَابَتِهِ وَدُخُولِ الْمَسْجِدِ، وَكَرَاهَةُ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ قَبْلَ الْغُسْلِ، وَوُجُوبُ نَزْعِ الْخُفِّ، وَالْكَفَّارَةُ وُجُوبًا أَوْ نَدْبًا فِي أَوَّلِ الْحَيْضِ بِدِينَارٍ وَفِي آخِرِهِ بِنِصْفِ دِينَارٍ. وَفَسَادُ الصَّوْمِ وَوُجُوبُ قَضَائِهِ وَالتَّعْزِيرُ وَالْكَفَّارَةُ وَعَدَمُ انْعِقَادِهِ إذَا طَلَعَ الْفَجْرُ مُخَالِصًا وَقَطْعُ التَّتَابُعِ الْمَشْرُوطِ فِيهِ، وَفِي الِاعْتِكَافِ وَفَسَادُ الِاعْتِكَافِ، وَالْحَجِّ قَبْلَ الْوُقُوفِ وَالْعُمْرَةِ قَبْلَ طَوَافِ الْأَكْثَرِ، وَوُجُوبُ الْمُضِيِّ فِي فَاسِدِهِمَا وَقَضَائِهِمَا، وَوُجُوبُ الدَّمِ وَبُطْلَانُ خِيَارِ الشَّرْطِ لِمَنْ لَهُ، وَسُقُوطُ الرَّدِّ بِعَيْبٍ إذَا فَعَلَهُ الْمُشْتَرِي بَعْدَ الِاطِّلَاعِ عَلَيْهِ مُطْلَقًا وَقَبْلَهُ إنْ كَانَتْ بِكْرًا أَوْ نَقَصَهَا الْوَطْءُ. وَوُجُوبُ مَهْرِ الْمِثْلِ بِالْوَطْءِ بِشُبْهَةٍ أَوْ نِكَاحٍ فَاسِدٍ، وَثُبُوتُ الرَّجْعَةِ بِهِ، وَبَيْعُ الْعَبْدِ فِي مَهْرِهَا إذَا نَكَحَ بِإِذْنِ سَيِّدِهِ، وَتَحْرِيمُ الرَّبِيبَةِ، وَتَحْرِيمُ أَصْلِ الْمَوْطُوءَةِ وَفَرْعِهَا عَلَيْهِ، وَتَحْرِيمُ أَصْلِهِ وَفَرْعِهِ عَلَيْهَا وَحِلُّهَا لِلزَّوْجِ الْأَوَّلِ وَلِسَيِّدِهَا الَّذِي طَلَّقَهَا ثَلَاثًا قَبْلَ مِلْكِهَا، وَتَحْرِيمُ وَطْءِ أُخْتِهَا إذَا كَانَتْ أَمَةً، وَزَوَالُ الْعُنَّةِ وَإِبْطَالُ خِيَارِ الْعَتِيقَةِ، وَإِبْطَالُ خِيَارِ الْبُلُوغِ إذَا كَانَتْ بِكْرًا، وَكَمَالُ الْمُسَمَّى، وَوُجُوبُ مَهْرِ الْمِثْلِ لِلْمُفَوَّضَةِ وَإِسْقَاطُ حَبْسِهَا نَفْسَهَا لِاسْتِيفَاءِ مَهْرٍ مُعَجَّلٍ مِنْ مَهْرِهَا عَلَى قَوْلِهِمَا، وَوُقُوعُ الطَّلَاقِ الْمُعْتَقِ بِهِ، وَثُبُوتُ السُّنَّةِ وَالْبِدْعَةِ فِي طَلَاقِهَا وَكَوْنُهُ تَعْيِينًا فِي الطَّلَاقِ الْمُبْهَمِ، وَثُبُوتُ الْفَيْءِ فِي الْإِيلَاءِ، وَوُجُوبُ كَفَّارَةِ الْيَمِينِ لَوْ كَانَ بِاَللَّهِ تَعَالَى، وَوُجُوبُ الْعِدَّةِ وَمَنْعُ تَزْوِيجِهَا قَبْلَ الِاسْتِبْرَاءِ عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ الْمُفْتَى بِهِ، وَوُجُوبُ النَّفَقَةِ وَالسُّكْنَى لِلْمُطَلَّقَةِ بَعْدَهُ، وَوُجُوبُ الْحَدِّ لَوْ كَانَ زِنًا أَوْ لِوَاطَةٍ عَلَى قَوْلِهِمَا، وَذَبْحُ الْبَهِيمَةِ الْمَفْعُولِ بِهَا ثُمَّ حَرْقُهَا، وَوُجُوبُ التَّعْزِيرِ إنْ كَانَ فِي مَيِّتَةٍ أَوْ مُشْتَرَكَةٍ أَوْ مُوصًى بِمَنْفَعَتِهَا أَوْ مَحْرَمٍ مَمْلُوكَةٍ لَهُ أَوْ لِوَاطَةٍ بِزَوْجَتِهِ، وَثُبُوتُ الْإِحْصَانِ وَثُبُوتُ النَّسَبِ، وَوُقُوعُ الْعِتْقِ الْمُعَلَّقِ بِهِ، وَاسْتِحْقَاقُ الْعَزْلِ عَنْ الْقَضَاءِ وَالْوِلَايَةِ وَالْوِصَايَةِ وَرَدِّ الشَّهَادَةِ لَوْ كَانَ زِنًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
فَوَائِدُ: الْأُولَى لَا فَرْقَ فِي الْإِيلَاجِ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ بِحَائِلٍ أَوْ لَا، لَكِنْ بِشَرْطِ أَنْ تَصِلَ الْحَرَارَةُ مَعَهُ. هَكَذَا ذَكَرُوهُ فِي التَّحْلِيلِ؛ فَتَجْرِي فِي سَائِرِ الْأَبْوَابِ الثَّانِيَةُ: مَا ثَبَتَ لِلْحَشَفَةِ مِنْ الْأَحْكَامِ ثَبَتَ لِمَقْطُوعِهَا إنْ بَقِيَ مِنْهُ قَدْرُهَا، وَإِنْ لَمْ يَبْقَ مِنْهُ قَدْرُهَا لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ شَيْءٌ مِنْ الْأَحْكَامِ وَيَحْتَاجُ إلَى نَقْلٍ لِكَوْنِهَا كُلِّيَّةً وَلَمْ أَرَهُ الثَّالِثَةُ: الْوَطْءُ فِي الدُّبُرِ كَالْوَطْءِ فِي الْقُبُلِ فَيَجِبُ بِهِ الْغُسْلُ وَيَحْرُمُ بِهِ مَا يَحْرُمُ بِالْوَطْءِ فِي الْقُبُلِ وَيَفْسُدُ الصَّوْمُ بِهِ اتِّفَاقًا. وَاخْتَلَفُوا فِي وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ: وَالْأَصَحُّ وُجُوبُهَا، وَيَفْسُدُ الْحَجُّ بِهِ قَبْلَ الْوُقُوفِ عَلَى قَوْلِهِمَا، وَاخْتَلَفَتْ الرِّوَايَةُ عَلَى قَوْلِهِ؛ وَالْأَصَحُّ فَسَادُهُ بِهِ كَمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ. وَيَفْسُدُ بِهِ الِاعْتِكَافُ وَتَثْبُتُ بِهِ الرَّجْعَةُ عَلَى الْمُفْتَى بِهِ كَمَا فِي التَّبْيِينِ إلَّا فِي مَسَائِلَ: لَا تَثْبُتُ بِهِ حُرْمَةُ الْمُصَاهَرَةِ، وَلَا يَجِبُ الْحَدُّ بِهِ عِنْدَ الْإِمَامِ إلَّا إذَا تَكَرَّرَ فَيُقْتَلُ عَلَى الْمُفْتَى بِهِ، وَلَا يَثْبُتُ بِهِ الْإِحْصَانُ وَلَا التَّحْلِيلُ لِلزَّوْجِ الْأَوَّلِ وَلَا فَيْءَ لِلْمُولِي، وَلَا يَخْرُجُ بِهِ عَنْ الْعُنَّةِ، وَلَا تَخْرُجُ بِهِ عَنْ كَوْنِهَا بِكْرًا فَيُكْتَفَى بِسُكُوتِهَا، وَلَا يَحِلُّ بِحَالٍ. وَالْوَطْءُ فِي الْقُبُلِ حَلَالٌ فِي الزَّوْجَةِ وَالْأَمَةِ عِنْدَ عَدَمِ مَانِعٍ، وَيَنْبَغِي أَنْ يَسْقُطَ بِهِ خِيَارُ الشَّرْطِ وَالْعَيْبِ لِقَوْلِهِمْ بِسُقُوطِهِ بِالتَّقْبِيلِ وَالْمَسِّ بِشَهْوَةٍ، فَهَذَا أَوْلَى لِلدَّلَالَةِ عَلَى الرِّضَا، وَفِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ: جَامَعَهَا فِي دُبُرِهَا بِنِكَاحٍ فَاسِدٍ لَا يَجِبُ الْمَهْرُ وَالْعِدَّةُ. (انْتَهَى). فَعَلَى هَذَا الْوَطْءُ فِي الدُّبُرِ لَا يُوجِبُ كَمَالَ الْمَهْرِ فِي النِّكَاحِ الصَّحِيحِ وَلَا تَجِبُ بِهِ الْعِدَّةُ. لَوْ طَلَّقَهَا بَعْدَهُ مِنْ غَيْرِ خَلْوَةٍ. الرَّابِعَةُ: الْوَطْءُ بِنِكَاحٍ فَاسِدٍ كَالْوَطْءِ بِنِكَاحٍ صَحِيحٍ إلَّا فِي مَسَائِلَ: الْأُولَى: وُجُوبُ مَهْرِ الْمِثْلِ وَلَا يُزَادُ عَلَى الْمُسَمَّى وَفِي الصَّحِيحِ يَجِبُ الْمُسَمَّى. الثَّانِيَةُ: الْحُرْمَةُ. الثَّالِثَةُ: عَدَمُ الْحِلِّ لِلْأَوَّلِ. الرَّابِعَةُ: عَدَمُ الْإِحْصَانِ بِهِ. الْخَامِسَةُ: لِلْوَطْءِ بِمِلْكِ الْيَمِينِ أَحْكَامٌ كَأَحْكَامِ الْوَطْءِ بِنِكَاحٍ؛ فَيُوجِبُ تَحْرِيمَهَا عَلَى أُصُولِهِ وَفُرُوعِهِ، وَتَحْرِيمُ أُصُولِهَا وَفُرُوعِهَا عَلَيْهِ، وَوُجُوبُ الِاسْتِبْرَاءِ، وَحُرْمَةُ ضَمِّ أُخْتِهَا إلَيْهَا.
وَيُخَالِفُ الْوَطْءَ بِالنِّكَاحِ فِي مَسَائِلَ: لَا يَثْبُتُ بِهِ التَّحْلِيلُ وَلَا الْإِحْصَانُ السَّادِسَةُ: كُلُّ حُكْمٍ تَعَلَّقَ بِالْوَطْءِ لَا يُعْتَبَرُ فِيهِ الْإِنْزَالُ لِكَوْنِهِ تَبَعًا السَّابِعَةُ: لَا يَخْلُو الْوَطْءُ بِغَيْرِ مِلْكِ الْيَمِينِ عَنْ مَهْرٍ أَوْ حَدٍّ إلَّا فِي مَسَائِلَ: الْأُولَى: الذِّمِّيَّةُ إذَا نُكِحَتْ بِغَيْرِ مَهْرٍ مَثَلًا ثُمَّ أَسْلَمَا وَكَانُوا يَدِينُونَ أَنْ لَا مَهْرَ فَلَا مَهْرَ. الثَّانِيَةُ: نَكَحَ صَبِيٌّ بَالِغَةً حُرَّةً بِغَيْرِ إذْنِ وَلِيِّهِ وَوَطِئَهَا طَائِعَة؛ فَلَا حَدَّ وَلَا مَهْرَ. الثَّالِثَةُ: زَوَّجَ أَمَتَهُ عَنْ عَبْدِهِ فَالْأَصَحُّ أَنْ لَا مَهْرَ. الرَّابِعَةُ: وَطِئَ الْعَبْدُ سَيِّدَتَهُ بِشُبْهَةٍ فَلَا مَهْرَ أَخْذًا مِنْ قَوْلِهِمْ فِي الثَّالِثَةِ أَنَّ الْمَوْلَى لَا يَسْتَوْجِبُ عَلَى عَبْدِهِ دَيْنًا. الْخَامِسَةُ: لَوْ وَطِئَ حَرْبِيَّةً فَلَا مَهْرَ لَهَا، وَلَمْ أَرَهُ الْآنَ. السَّادِسَةُ: الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ إذَا وَطِئَ الْمَوْقُوفَةَ يَنْبَغِي أَنْ لَا مَهْرَ، وَلَمْ أَرَهُ الْآنَ. السَّابِعَةُ: الْبَائِعُ لَوْ وَطِئَ الْجَارِيَةَ قَبْلَ التَّسْلِيمِ إلَى الْمُشْتَرِي وَهِيَ فِي حِفْظِي مَنْقُولَةٌ كَذَلِكَ. الثَّامِنَةُ: أَذِنَ الرَّاهِنُ لِلْمُرْتَهِنِ فِي الْوَطْءِ فَوَطِئَ ظَانًّا الْحِلَّ يَنْبَغِي أَنْ لَا مَهْرَ وَلَمْ أَرَهُ الْآنَ. التَّاسِعَةُ: الَّذِي يُحَرِّمُ عَلَى الرَّجُلِ وَطْءَ زَوْجَتِهِ مَعَ بَقَاءِ النِّكَاحِ: الْحَيْضُ وَالنِّفَاسُ وَالصَّوْمُ الْوَاجِبُ وَضِيقُ وَقْتِ الصَّلَاةِ وَالِاعْتِكَافُ وَالْإِحْرَامُ وَالْإِيلَاءُ وَالظِّهَارُ قَبْلَ التَّكْفِيرِ وَعِدَّةُ وَطْءِ الشُّبْهَةِ، وَإِذَا صَارَتْ مُفْضَاةً اخْتَلَطَ قُبُلُهَا وَدُبُرُهَا فَإِنَّهُ لَا يَحِلُّ لَهُ إتْيَانُهَا حَتَّى يَتَحَقَّقَ وُقُوعَهُ فِي قُبُلِهَا، وَفِيمَا إذَا كَانَتْ لَا تَحْتَمِلُهُ لِصِغَرٍ أَوْ مَرَضٍ. أَوْ سِمَنِهِ، وَعِنْدَ امْتِنَاعِهَا لِقَبْضِ مُعَجَّلِ مَهْرِهَا لَمْ يَحِلَّ كَرْهًا، وَفِي بَعْضِ كُتُبِ الشَّافِعِيَّةِ أَنَّهُ يَحْرُمُ وَطْءُ مَنْ وَجَبَ عَلَيْهَا قِصَاصٌ وَلَيْسَ بِهَا حَبَلٌ ظَاهِرٌ يَحْدُثُ حَمْلٌ يَمْنَعُ مِنْ اسْتِيفَاءِ مَا وَجَبَ عَلَيْهَا. الْعَاشِرَةُ: إذَا حُرِّمَ الْوَطْءُ حُرِّمَتْ دَوَاعِيهِ؛ إلَّا فِي الْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ وَالصَّوْمِ لِمَنْ أَمِنَ فَتَحْرُمُ فِي الِاعْتِكَافِ وَالْإِحْرَامِ مُطْلَقًا وَالظِّهَارِ وَالِاسْتِبْرَاءِ. الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ: إذَا اخْتَلَفَ الزَّوْجَانِ فِي الْوَطْءِ فَالْقَوْلُ لَهَا فِيهِ إلَّا فِي مَسَائِلَ: الْأُولَى: ادَّعَى الْعِنِّينُ الْإِصَابَةَ وَأَنْكَرَتْ وَقُلْنَ ثَيِّبٌ، فَالْقَوْلُ لَهُ مَعَ يَمِينِهِ إلَّا إنْ كَانَتْ بِكْرًا وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ قَبْلَ التَّأْجِيلِ أَوْ بَعْدَهُ. الثَّانِيَةُ: الْمُولِي إذَا ادَّعَى الْوُصُولَ إلَيْهَا قَبْلَ مُضِيِّ الْمُدَّةِ قُبِلَ قَوْلُهُ بِيَمِينِهِ لَا بَعْدَ مُضِيِّهَا. الثَّالِثَةُ: لَوْ قَالَتْ طَلَّقْتنِي بَعْدَ الدُّخُولِ وَلِي كَمَالُ الْمَهْرِ. وَقَالَ قَبْلَهُ وَلَك نِصْفُهُ، فَالْقَوْلُ لَهَا لِوُجُوبِ الْعِدَّةِ عَلَيْهَا وَلَهُ فِي الْمَهْرِ وَالنَّفَقَةِ وَالسُّكْنَى فِي الْعِدَّةِ وَفِي حِلِّ بِنْتِهَا وَأَرْبَعٍ سِوَاهَا وَأُخْتِهَا لِلْحَالِ؛ فَلَوْ جَاءَتْ بِوَلَدٍ لِزَمَنٍ تَحْتَمِلُهُ ثَبَتَ نَسَبُهُ. وَيَرْجِعُ إلَى قَوْلِهَا فِي تَكْمِيلِ الْمَهْرِ فَإِنْ لَاعَنَ بِنَفْيِهِ عُدْنَا إلَى تَصْدِيقِهِ. هَكَذَا فَهِمْته مِنْ كَلَامِهِمْ وَلَمْ أَرَهُ الْآنَ صَرِيحًا. الرَّابِعَةُ: ادَّعَتْ الْمُطَلَّقَةُ ثَلَاثًا أَنَّ الثَّانِي دَخَلَ بِهَا؛ فَالْقَوْلُ لَهَا لِحِلِّهَا لِلْمُطَلِّقِ لَا لِكَمَالِ الْمَهْرِ. الْخَامِسَةُ: لَوْ عَلَّقَهُ بِعَدَمِ وَطْئِهِ الْيَوْمَ فَادَّعَتْ عَدَمَهُ وَادَّعَاهُ، فَالْقَوْلُ لَهُ لِإِنْكَارِهِ وُجُودَ الشَّرْطِ. قَالَ فِي الْكَنْزِ: وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي وُجُودِ الشَّرْطِ فَالْقَوْلُ لَهُ.
هِيَ أَقْسَامٌ: لَازِمٌ مِنْ الْجَانِبَيْنِ: الْبَيْعُ وَالصَّرْفُ وَالسَّلَمُ وَالتَّوْلِيَةُ وَالْمُرَابَحَةُ وَالْوَضِيعَةُ وَالتَّشْرِيكُ وَالصُّلْحُ وَالْحَوَالَةُ. إلَّا فِي مَسْأَلَتَيْنِ ذَكَرْنَاهُمَا فِي الْفَوَائِدِ مِنْهَا؛ وَالْإِجَارَةُ إلَّا فِي مَسْأَلَةٍ ذَكَرْنَاهَا فِي الْفَوَائِدِ مِنْهَا، وَالْهِبَةُ بَعْدَ الْقَبْضِ وَوُجُودُ مَانِعٍ مِنْ الْمَوَانِعِ السَّبْعَةِ وَالصَّدَاقُ وَالْخُلْعُ بِعِوَضٍ وَالنِّكَاحُ الْخَالِي عَنْ الْخِيَارَيْنِ. أَيْ خِيَارِ الْبُلُوغِ وَالْعِتْقِ، وَالْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ: وَنِكَاحُ الْبَالِغِ الْعَاقِلِ الْحُرِّ امْرَأَةً كَذَلِكَوَجَائِزٌ مِنْ الْجَانِبَيْنِ: الشَّرِكَةُ وَالْوَكَالَةُ وَالْمُضَارَبَةُ وَالْوَصِيَّةُ وَالْعَارِيَّةُ وَالْإِيدَاعُ وَالْقَرْضُ وَالْقَضَاءُ وَسَائِرُ الْوِلَايَاتِ إلَّا الْإِمَامَةَ الْعُظْمَىوَجَائِزٌ مِنْ أَحَدِ الْجَانِبَيْنِ فَقَطْ: الرَّهْنُ جَائِزٌ مِنْ جَانِبِ الْمُرْتَهِنِ وَلَازِمٌ مِنْ جَانِبِ الرَّاهِنِ بَعْدَ الْقَبْضِ، وَالْكِتَابَةُ جَائِزَةٌ مِنْ جَانِبِ الْعَبْدِ لَازِمَةٌ مِنْ جَانِبِ السَّيِّدِ، وَالْكَفَالَةُ جَائِزَةٌ مِنْ الْمُطَالِبِ لَازِمَةٌ مِنْ جَانِبِ الْكَفِيلِ، وَعَقْدُ الْأَمَانِ جَائِزٌ مِنْ قِبَلِ الْحَرْبِيِّ لَازِمٌ مِنْ جَانِبِ الْمُسْلِمِ.
تَنْبِيهٌ: مِنْ الْجَائِزِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ: تَوْلِيَةُ الْقَضَاءِ فَلِلسُّلْطَانِ عَزْلُهُ وَلَوْ بِلَا جُنْحَةٍ، كَمَا فِي الْخُلَاصَةِ، وَلَهُ عَزْلُ نَفْسِهِ. وَأَمَّا الْوِلَايَةُ عَلَى مَالِ الْيَتِيمِ بِالْوِصَايَةِ؛ فَإِنْ كَانَ وَصِيَّ الْمَيِّتِ فَهِيَ لَازِمَةٌ بَعْدَ مَوْتِ الْمُوصِي؛ فَلَا يَمْلِكُ الْقَاضِي عَزْلَهُ إلَّا بِخِيَانَةٍ أَوْ عَجْزٍ ظَاهِرٍ. وَمِنْ جَانِبِ الْوَصِيِّ؛ فَلَا يَمْلِكُ الْوَصِيُّ عَزْلَ نَفْسِهِ إلَّا فِي مَسْأَلَتَيْنِ ذَكَرْنَاهُمَا فِي وَصَايَا الْفَوَائِدِ، وَإِنْ كَانَ وَصِيَّ الْقَاضِي فَلَا، لِأَنَّ لِلْقَاضِي عَزْلَهُ كَمَا فِي الْقُنْيَةِ، وَلَهُ عَزْلُ نَفْسِهِ بِحَضْرَةِ الْقَاضِي، وَقَدْ ذَكَرْنَا التَّوْلِيَةَ عَلَى الْأَوْقَافِ فِي وَقْفِ الْفَوَائِدِ.
تَقْسِيمٌ: فِي الْعُقُودِ: الْبَيْعُ نَافِذٌ وَمَوْقُوفٌ وَلَازِمٌ وَغَيْرُ لَازِمٍ وَفَاسِدٌ وَبَاطِلٌ. وَضَبَطَ الْمَوْقُوفَ فِي الْخُلَاصَةِ فِي خَمْسَةَ عَشَرَ، وَزِدْت عَلَيْهَا ثَمَانِيَةً.
تَكْمِيلٌ: الْبَاطِلُ وَالْفَاسِدُ عِنْدَنَا فِي الْعِبَادَاتِ مُتَرَادِفَانِ وَفِي النِّكَاحِ كَذَلِكَ، لَكِنْ قَالُوا: نِكَاحُ الْمَحَارِمِ فَاسِدٌ عِنْد أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ؛ فَلَا حَدَّ، وَبَاطِلٌ عِنْدَهُمَا رَحِمَهُمَا اللَّهُ فَيُحَدُّ، وَفِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ: نِكَاحُ الْمَحَارِمِ؛ قِيلَ بَاطِلٌ وَسَقَطَ الْحَدُّ لِشُبْهَةِ الِاشْتِبَاهِ، وَقِيلَ فَاسِدٌ وَسَقَطَ الْحَدُّ لِشُبْهَةِ الْعَقْدِ. (انْتَهَى). وَأَمَّا فِي الْبَيْعِ، فَمُتَبَايِنَانِ فَبَاطِلُهُ مَا لَا يَكُونُ مَشْرُوعًا بِأَصْلِهِ وَوَصْفِهِ، وَفَاسِدُهُ مَا كَانَ مَشْرُوعًا بِأَصْلِهِ دُونَ وَصْفِهِ، وَحُكْمُ الْأَوَّلِ أَنَّهُ لَا يُمْلَكُ بِالْقَبْضِ، وَحُكْمُ الثَّانِي أَنَّهُ يُمْلَكُ بِهِ. وَأَمَّا فِي الْإِجَارَةِ فَمُتَبَايِنَانِ؛ قَالُوا لَا يَجِبُ الْأَجْرُ فِي الْبَاطِلَةِ، كَمَا إذَا اسْتَأْجَرَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ شَرِيكَهُ لِحَمْلِ طَعَامٍ مُشْتَرَكٍ، وَيَجِبُ أَجْرُ الْمِثْلِ فِي الْفَاسِدَةِ، وَأَمَّا فِي الرَّهْنِ فَقَالَ فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ: فَاسِدُهُ يَتَعَلَّقُ بِهِ الضَّمَانُ، وَبَاطِلُهُ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ الضَّمَانُ بِالْإِجْمَاعِ، وَيَمْلِكُ الْحَبْسَ لِلدَّيْنِ فِي فَاسِدِهِ دُونَ بَاطِلِهِ، وَمِنْ الْبَاطِلِ: لَوْ رَهَنَ شَيْئًا بِأَجْرِ نَائِحَةٍ أَوْ مُغَنِّيَةٍ، وَأَمَّا فِي الصُّلْحِ فَقَالُوا: مِنْ الْفَاسِدِ الصُّلْحُ عَلَى إنْكَارٍ بَعْدَ دَعْوَى فَاسِدَةٍ. وَالصُّلْحُ الْبَاطِلُ: الصُّلْحُ عَنْ الْكَفَالَةِ وَالشُّفْعَةِ وَخِيَارِ الْعِتْقِ وَقَسَمِ الْمَرْأَةِ وَخِيَارِ الشَّرْطِ وَخِيَارِ الْبُلُوغِ؛ فَفِيهَا يَبْطُلُ الصُّلْحُ وَيَرْجِعُ الدَّافِعُ بِمَا دَفَعَ كَذَا فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ. وَأَمَّا فِي الْكَفَالَةِ فَقَالَ فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ: إذَا ادَّعَى بِحُكْمٍ كَفَالَةً فَاسِدَةً رَجَعَ بِمَا أَدَّى؛ فَالْكَفَالَةُ بِالْأَمَانَاتِ بَاطِلَةٌ. (انْتَهَى) وَلَمْ يَتَّضِحْ الْفَرْقُ بَيْنَ الْفَاسِدِ وَالْبَاطِلِ فِي الرَّهْنِ وَالْكَفَالَةِ بِمَا ذَكَرْنَا فَلْيُرْجَعْ إلَى الْكُتُبِ الْمُطَوَّلَةِ. وَأَمَّا الْكِتَابَةُ؛ فَفَرَّقُوا فِيهَا بَيْنَ الْفَاسِدِ وَالْبَاطِلِ؛ فَيُعْتِقُ بِأَدَاءِ الْعَيْنِ فِي فَاسِدِهَا كَالْكِتَابَةِ عَلَى خَمْرٍ أَوْ خِنْزِيرٍ؛ وَلَا يَعْتِقُ فِي بَاطِلِهَا كَالْكِتَابَةِ عَلَى مَيْتَةٍ أَوْ دَمٍ كَمَا ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ. وَأَمَّا الشَّرِكَةُ؛ فَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا فَالشَّرِكَةُ فِي الْمُبَاحِ بَاطِلَةٌ، وَفِي غَيْرِهِ إذَا فُقِدَ شَرْطٌ فَاسِدَةٌ.
فَائِدَةٌ. الْبَاطِلُ وَالْفَاسِدُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ مُتَرَادِفَانِ إلَّا فِي الْكِتَابَةِ وَالْخُلْعِ وَالْعَارِيَّةِ وَالْوَكَالَةِ وَالشَّرِكَةِ وَالْقَرْضِ وَفِي الْعِبَادَاتِ فِي الْحَجِّ، ذَكَرَهُ الْأُسْيُوطِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ.
حَلُّ ارْتِبَاطِ الْعَقْدِ؛ إذَا انْعَقَدَ الْبَيْعُ لَمْ يَتَطَرَّقْ إلَيْهِ الْفَسْخُ إلَّا بِأَحَدِ أَشْيَاءَ: خِيَارُ الشَّرْطِ وَخِيَارُ عَدَمِ النَّقْدِ إلَى ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ وَخِيَارُ الرُّؤْيَةِ وَخِيَارُ الْعَيْبِ وَخِيَارُ الِاسْتِحْقَاقِ وَخِيَارُ الْغَبْنِ وَخِيَارُ الْكَمِّيَّةِ وَخِيَارُ كَشْفِ الْحَالِ وَخِيَارُ فَوَاتِ الْوَصْفِ الْمَرْغُوبِ فِيهِ وَخِيَارُ هَلَاكِ بَعْضِ الْمَبِيعِ قَبْلَ الْقَبْضِ، وَبِالْإِقَالَةِ وَالتَّحَالُفِ وَهَلَاكِ الْمَبِيعِ قَبْلَ الْقَبْضِ وَخِيَارُ التَّغْرِيرِ الْفِعْلِيِّ، كَالتَّصْرِيَةِ عَلَى إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ، وَخِيَارُ الْخِيَانَةِ فِي الْمُرَابَحَةِ وَالتَّوْلِيَةِ وَظُهُورُ الْمَبِيعِ مُسْتَأْجَرًا أَوْ مَرْهُونًا؛ فَهَذِهِ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ سَبَبًا وَكُلُّهَا يُبَاشِرُهَا الْعَاقِدُ إلَّا التَّحَالُفَ فَإِنَّهُ لَا يَنْفَسِخُ بِهِ وَإِنَّمَا يَفْسَخُهُ الْقَاضِي، وَكُلُّهَا يَحْتَاجُ إلَى الْفَسْخِ وَلَا يَنْفَسِخُ فِيهَا بِنَفْسِهِ، وَقَدَّمْنَا فَرْقَ النِّكَاحِ فِي قِسْمِ الْفَوَائِدِ.
خَاتِمَةٌ: جُحُودُ مَا عَدَا النِّكَاحَ فَسْخٌ لَهُ إذَا سَاعَدَهُ صَاحِبُهُ عَلَيْهِ وَاخْتَلَفُوا فِي جُحُودِ الْمُوصِي لِلْفَسْخِ؛ هَلْ يَرْفَعُ الْعَقْدَ مِنْ أَصْلِهِ أَوْ فِيمَا يُسْتَقْبَلُ؟ قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ إنَّهُ يَجْعَلُ الْعَقْدَ كَأَنْ لَمْ يَكُنْ فِي الْمُسْتَقْبَلِ لَا فِيمَا مَضَى، وَفَائِدَتُهُ مَذْكُورَةٌ فِي أَحْكَامِ شُرُوحِ الْهِدَايَةِ، وَذَكَرَهَا الزَّيْلَعِيُّ أَيْضًا فِي خِيَارِ الْعَيْبِ.
يَصِحُّ الْبَيْعُ بِهَا، قَالَ فِي الْهِدَايَةِ: وَالْكِتَابُ كَالْخِطَابِ، وَكَذَا الْإِرْسَالُ حَتَّى اعْتَبَرُوا مَجْلِسَ بُلُوغِ الْكِتَابِ وَأَدَاءِ الرِّسَالَةِ. (انْتَهَى). وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ: وَصُورَةُ الْكِتَابِ أَنْ يَكْتُبَ؛ أَمَّا بَعْدُ فَقَدْ بِعْت عَبْدِي مِنْك بِكَذَا؛ فَلَمَّا بَلَغَهُ وَفَهِمَ مَا فِيهِ قَالَ: قَبِلْت فِي الْمَجْلِسِ. وَمَا فِي الْمَبْسُوطِ مِنْ تَصْوِيرِهِ بِقَوْلِهِ بِعْنِي بِكَذَا فَقَالَ بِعْته يَتِمُّ، فَلَيْسَ مُرَادُهُ إلَّا الْفَرْقُ بَيْنَ الْبَيْعِ وَالنِّكَاحِ فِي شَرْطِ الشُّهُودِ، وَقِيلَ: بَلْ يُفَرَّقُ بَيْنَ الْحَاضِرِ وَالْغَائِبِ؛ فَبِعْنِي مِنْ الْحَاضِرِ اسْتِيَامٌ وَمِنْ الْغَائِبِ إيجَابٌ. (انْتَهَى). وَيَصِحُّ النِّكَاحُ بِهَا قَالَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ: وَصُورَتُهُ أَنْ يَكْتُبَ إلَيْهَا يَخْطُبَهَا؛ فَإِذَا بَلَغَهَا الْكِتَابُ أَحْضَرَتْ الشُّهُودَ وَقَرَأَتْهُ عَلَيْهِمْ وَقَالَتْ: زَوَّجْتُ نَفْسِي مِنْهُ، أَوْ تَقُولُ: إنَّ فُلَانًا كَتَبَ إلَيَّ يَخْطُبُنِي فَاشْهَدُوا أَنِّي قَدْ زَوَّجْت نَفْسِي مِنْهُ. أَمَّا لَوْ لَمْ تَقُلْ بِحَضْرَتِهِمْ سِوَى: زَوَّجْت نَفْسِي مِنْ فُلَانٍ لَا يَنْعَقِدُ؛ لِأَنَّ سَمَاعَ الشَّطْرَيْنِ شَرْطٌ وَبِإِسْمَاعِهِمْ الْكِتَابَ أَوْ التَّعْبِيرَ عَنْهُ مِنْهَا قَدْ سَمِعُوا الشَّطْرَيْنِ بِخِلَافِ مَا إذَا انْتَفَيَا. وَمَعْنَى الْكِتَابِ بِالْخُطْبَةِ: أَنْ يَكْتُبَ زَوِّجِينِي نَفْسَك فَإِنِّي رَغِبْت فِيك وَنَحْوَهُ وَلَوْ جَاءَ الزَّوْجُ بِالْكِتَابِ إلَى الشُّهُودِ مَخْتُومًا فَقَالَ: هَذَا كِتَابِي إلَى فُلَانَةَ فَاشْهَدُوا عَلَى ذَلِكَ لَمْ يَجُزْ، فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ حَتَّى تَعْلَمَ الشُّهُودُ مَا فِيهِ، وَجَوَّزَهُ أَبُو يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ مِنْ غَيْرِ شَرْطِ إعْلَامِ الشُّهُودِ بِمَا فِيهِ، وَأَصْلُهُ كِتَابُ الْقَاضِي إلَى الْقَاضِي. قَالَ فِي الْمُسْتَصْفَى: هَذَا إذَا كَانَ بِلَفْظِ التَّزْوِيجِ، أَمَّا إذَا كَانَ بِلَفْظِ الْأَمْرِ كَقَوْلِهِ: زَوِّجِي نَفْسَكِ مِنِّي. لَا يُشْتَرَطُ إعْلَامُهَا الشُّهُودَ بِمَا فِي الْكِتَابِ لِأَنَّهَا تَتَوَلَّى طَرَفَيْ الْعَقْدِ بِحُكْمِ الْوَكَالَةِ. وَنَقَلَهُ مِنْ الْكَامِلِ قَالَ: وَفَائِدَةُ الْخِلَافِ فِيمَا إذَا جَحَدَ الزَّوْجُ الْكِتَابَ بَعْدَ مَا أَشْهَدَهُمْ عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِ قِرَاءَتِهِ عَلَيْهِمْ وَإِعْلَامِهِمْ بِمَا فِيهِ، وَقَدْ قَرَأَ الْمَكْتُوبُ إلَيْهِ الْكِتَابَ عَلَيْهِمْ وَقَبِلَ الْعَقْدَ بِحَضْرَتِهِمْ فَشَهِدُوا أَنَّ هَذَا كِتَابُهُ وَلَمْ يَشْهَدُوا بِمَا فِيهِ لَا تُقْبَلْ هَذِهِ الشَّهَادَةُ عِنْدَهُمَا وَلَا يُقْضَى بِالنِّكَاحِ، وَعِنْدَهُ تُقْبَلُ وَيُقْضَى بِهِ، أَمَّا الْكِتَابُ فَصَحِيحٌ بِلَا إشْهَادٍ. وَهَذَا الْإِشْهَادُ لِهَذَا، وَهُوَ أَنْ تَتَمَكَّنَ الْمَرْأَةُ مِنْ إثْبَاتِ الْكِتَابِ عِنْدَ جُحُودِ الزَّوْجِ الْكِتَابَ. (انْتَهَى) وَأَمَّا وُقُوعُ الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ بِهَا؛ فَقَالَ فِي الْبَزَّازِيَّةِ: الْكِتَابَةُ مِنْ الصَّحِيحِ وَالْأَخْرَسِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ: إنْ كَتَبَ عَلَى وَجْهِ الرِّسَالَةِ مُصَدَّرًا مُعَنْوَنًا وَثَبَتَ ذَلِكَ بِإِقْرَارٍ أَوْ بِالْبَيِّنَةِ فَكَالْخِطَابِ. وَإِنْ قَالَ: لَمْ أَنْوِ بِهِ الْخِطَابَ لَمْ يُصَدَّقْ قَضَاءً وَدِيَانَةً. وَفِي الْمُنْتَقَى: أَنَّهُ يُدَيَّنُ وَلَوْ كَتَبَ عَلَى شَيْءٍ يَسْتَبِينُ عَلَيْهِ امْرَأَتَهُ أَوْ عَبْدَهُ كَذَا إنْ نَوَى صَحَّ وَإِلَّا فَلَا، وَلَوْ كَتَبَ عَلَى الْهَوَاءِ أَوْ الْمَاءِ لَمْ يَقَعْ شَيْءٌ وَإِنْ نَوَى، وَإِنْ كَتَبَ: امْرَأَتُهُ طَالِقٌ؛ فَهِيَ طَالِقٌ بَعَثَ إلَيْهَا أَوْ لَا، وَإِنْ قَالَ الْمَكْتُوبُ إذَا وَصَلَ إلَيْك فَأَنْتِ كَذَا، لَمْ تَطْلُقْ، وَإِنْ نَدِمَ وَمَحَا مِنْ الْكِتَابِ ذِكْرَ الطَّلَاقِ وَتَرَكَ مَا سِوَاهُ وَبَعَثَ إلَيْهَا فَهِيَ طَالِقٌ إذَا وَصَلَ. وَمَحْوُهُ الطَّلَاقَ كَرُجُوعِهِ عَنْ التَّعْلِيقِ وَإِنَّمَا يَقَعُ إذَا بَقِيَ مَا يُسَمَّى كِتَابَةً أَوْ رِسَالَةً، فَإِنْ لَمْ يَبْقَ هَذَا الْقَدْرُ لَا يَقَعُ. وَإِنْ مَحَا الْخُطُوطَ كُلَّهَا وَبَعَثَ إلَيْهَا الْبَيَاضَ لَا تَطْلُقُ لِأَنَّ مَا وَصَلَ إلَيْهَا لَيْسَ بِكِتَابٍ، وَلَوْ جَحَدَ الزَّوْجُ الْكِتَابَ وَأَقَامَتْ الْبَيِّنَةَ عَلَيْهِ أَنَّهُ كَتَبَهُ بِيَدِهِ فُرِّقَ بَيْنَهُمَا فِي الْقَضَاءِ. (انْتَهَى). وَذَكَرَ الزَّيْلَعِيُّ مِنْ مَسَائِلَ شَتَّى فِي الْكِتَابَةِ لَا عَلَى الرَّسْمِ أَنَّ الْإِشْهَادَ عَلَيْهِ أَوْ الْإِمْلَاءَ عَلَى الْغَيْرِ يَقُومُ مَقَامَ الْبَيِّنَةِ. وَفِي الْقُنْيَةِ: كَتَبَتْ أَنْتِ طَالِقٌ ثُمَّ قَالَتْ لِزَوْجِهَا اقْرَأْ عَلَيَّ فَقَرَأَ لَا تَطْلُقُ مَا لَمْ يَقْصِدْ خِطَابَهَا. (انْتَهَى). وَقَدْ سُئِلْت عَنْ رَجُلٍ كَتَبَ أَيْمَانًا ثُمَّ قَالَ لِآخَرَ اقْرَأْهَا فَقَرَأَهَا هَلْ تَلْزَمُهُ؟ فَأَجَبْت بِأَنَّهَا لَا تَلْزَمُهُ إنْ كَانَتْ بِطَلَاقٍ حَيْثُ لَمْ يَقْصِدْ، وَإِنْ كَانَتْ بِاَللَّهِ تَعَالَى. فَقَالُوا: النَّاسِي وَالْمُخْطِئُ وَالذَّاهِلُ كَالْعَامِدِ. وَأَمَّا الْإِقْرَارُ بِهَا؛ فَفِي إقْرَارِ الْبَزَّازِيَّةِ: كَتَبَ كِتَابًا فِيهِ إقْرَارٌ بَيْنَ يَدَيْ الشُّهُودِ فَهَذَا عَلَى أَقْسَامٍ: الْأَوَّلُ: أَنْ يَكْتُبَ وَلَا يَقُولَ شَيْئًا وَأَنَّهُ لَا يَكُونُ إقْرَارًا؛ فَلَا تَحِلُّ الشَّهَادَةُ بِأَنَّهُ أَقَرَّ؛ قَالَ الْقَاضِي النَّسَفِيُّ: إنْ كَتَبَ مُصَدَّرًا مَرْسُومًا وَعَلِمَ الشَّاهِدُ حَلَّ لَهُ الشَّهَادَةُ عَلَى إقْرَارٍ كَمَا لَوْ أَقَرَّ كَذَلِكَ، وَإِنْ لَمْ يَقُلْ اشْهَدْ عَلَيَّ بِهِ، فَعَلَى هَذَا إذَا كَتَبَ لِلْغَائِبِ عَلَى وَجْهِ الرِّسَالَةِ أَمَّا بَعْدُ ذَلِكَ عَلَيَّ كَذَا يَكُونُ إقْرَارًا لِأَنَّ الْكِتَابَ مِنْ الْغَائِبِ كَالْخِطَابِ مِنْ الْحَاضِرِ فَيَكُونُ مُتَكَلِّمًا. وَالْعَامَّةُ عَلَى خِلَافِهِ لِأَنَّ الْكِتَابَةَ قَدْ تَكُونُ لِلتَّجْرِبَةِ. وَفِي حَقِّ الْأَخْرَسِ يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ مُعَنْوَنًا مُصَدَّرًا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ إلَى الْغَائِبِ. الثَّانِي: كَتَبَ وَقَرَأَ عِنْدَ الشُّهُودِ؛ لَهُمْ أَنْ يَشْهَدُوا بِهِ وَإِنْ لَمْ يَقُلْ اشْهَدُوا عَلَيَّ. الثَّالِثُ: أَنْ يَقْرَأَ هَذَا عِنْدَهُمْ غَيْرُهُ فَيَقُولُ الْكَاتِبُ اشْهَدُوا عَلَيَّ بِهِ. الرَّابِعُ: أَنْ يَكْتُبَ عِنْدَهُمْ وَيَقُولَ اشْهَدُوا عَلَيَّ بِمَا فِيهِ؛ إنْ عَلِمُوا مَا فِيهِ كَانَ إقْرَارًا وَإِلَّا فَلَا وَذَكَرَ الْقَاضِي: ادَّعَى عَلَيْهِ مَالًا وَأَخْرَجَ خَطًّا وَقَالَ إنَّهُ خَطُّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِهَذَا الْمَالِ فَأَنْكَرَ أَنْ يَكُونَ خَطَّهُ فَاسْتُكْتِبَ وَكَانَ بَيْنَ الْخَطَّيْنِ مُشَابَهَةٌ ظَاهِرَةٌ دَالَّةٌ عَلَى أَنَّهُمَا خَطُّ كَاتِبٍ وَاحِدٍ، لَا يُحْكَمُ عَلَيْهِ بِالْمَالِ فِي الصَّحِيحِ لِأَنَّهُ لَا يَزِيدُ عَلَى أَنْ يَقُولَ هَذَا خَطِّي وَأَنَا حَرَّرْتُهُ لَكِنْ لَيْسَ عَلَيَّ هَذَا الْمَالُ، وَثَمَّةَ لَا يَجِبُ كَذَا هُنَا إلَّا فِي (يَادِكَارِ) الْعَامَّةِ وَالصَّرَّافِ وَالسِّمْسَارِ. (انْتَهَى) وَكَتَبْنَا فِي الْقَضَاءِ مِنْ الْفَوَائِدِ أَنَّهُ يُعْمَلُ بِدَفْتَرِ الْبَيَّاعِ وَالسِّمْسَارِ وَالصَّرَّافِ، وَالْخَطُّ فِيهِ حُجَّةٌوَفِي كِتَابِ مِلْكِ الْكُفَّارِ بِالِاسْتِئْمَانِ حَتَّى لَوْ وُجِدَ حَرْبِيٌّ فِي دَارِنَا وَقَالَ أَنَا رَسُولُ الْمَلِكِ لَمْ يُصَدَّقْ إلَّا إذَا كَانَ مَعَهُ كِتَابُهُ، كَمَا فِي سِيَرِ الْخَانِيَّةِ، فَيُعْمَلُ بِهَا. وَأَمَّا اعْتِمَادُ الرَّاوِي عَلَى مَا فِي كِتَابِهِ وَالشَّاهِدُ عَلَى خَطِّهِ وَالْقَاضِي عَلَى عَلَامَته عِنْدِ عَدَمِ التَّذَكُّرِ فَغَيْرُ جَائِزٍ عِنْدَ الْإِمَامِ، وَجَوَّزَهُ أَبُو يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى لِلرَّاوِي وَالْقَاضِي دُونَ الشَّاهِدِ، وَجَوَّزَهُ مُحَمَّدٌ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى لِلْكُلِّ إنْ تَيَقَّنَ بِهِ وَإِنْ لَمْ يَتَذَكَّرْ تَوْسِعَةً عَلَى النَّاسِ. وَفِي الْخُلَاصَةِ قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ: يَنْبَغِي أَنْ يُفْتَى بِقَوْلِ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى، وَهَكَذَا فِي الْأَجْنَاسِ. (انْتَهَى) وَفِي إجَارَاتِ الْبَزَّازِيَّةِ: أَمَرَ الصَّكَّاكُ بِكِتَابَةِ الْإِجَارَةِ وَأَشْهَدَ وَلَمْ يَجْرِ الْعَقْدَ. لَا يَنْعَقِدُ بِخِلَافِ صَكِّ الْإِقْرَارِ وَالْمَهْرِ. (انْتَهَى) وَاخْتَلَفُوا فِيمَا لَوْ أَمَرَ الزَّوْجُ بِكِتَابَةِ الصَّكِّ بِطَلَاقِهَا؛ فَقِيلَ يَقَعُ وَهُوَ إقْرَارٌ بِهِ، وَقِيلَ هُوَ تَوْكِيلٌ فَلَا يَقَعُ حَتَّى يُكْتَبَ، وَبِهِ يُفْتَى، وَهُوَ الصَّحِيحُ فِي زَمَانِنَا. كَذَا فِي الْقُنْيَةِ. وَفِيهَا بَعْدَهُ: وَقِيلَ لَا يَقَعُ وَإِنْ كُتِبَ إلَّا إذَا نَوَى الطَّلَاقَ. وَفِي الْمُبْتَغَى بِالْمُعْجَمَةِ: مَنْ رَأَى خَطَّهُ وَعَرَفَهُ وَسِعَهُ أَنْ يَشْهَدَ إذَا كَانَ فِي حِرْزِهِ وَبِهِ نَأْخُذُ. (انْتَهَى). وَيَجُوزُ الِاعْتِمَادُ عَلَى كُتُبِ الْفِقْهِ الصَّحِيحَةِ. قَالَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ مِنْ الْقَضَاءِ: وَطَرِيقُ نَقْلِ الْمُفْتِي فِي زَمَانِنَا عَنْ الْمُجْتَهِدِ أَحَدُ أَمْرَيْنِ؛ إمَّا أَنْ يَكُونَ لَهُ سَنَدٌ فِيهِ إلَيْهِ، أَوْ يَأْخُذُهُ مِنْ كِتَابٍ مَعْرُوفٍ تَدَاوَلْته الْأَيْدِي؛ نَحْوَ كُتُبِ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ رَحِمَهُ اللَّهُ وَنَحْوَهَا مِنْ التَّصَانِيفِ الْمَشْهُورَةِ. (انْتَهَى). وَنَقَلَ الْأُسْيُوطِيُّ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ الْإسْفَرايِينِيّ: الْإِجْمَاعَ عَلَى جَوَازِ النَّقْلِ مِنْ الْكُتُبِ الْمُعْتَمَدَةِ، وَلَا يُشْتَرَطُ اتِّصَالُ السَّنَدِ إلَى مُصَنِّفِيهَا. (انْتَهَى) وَيَجُوزُ الِاعْتِمَادُ عَلَى خَطِّ الْمُفْتِي أَخْذًا مِنْ قَوْلِهِمْ: يَجُوزُ الِاعْتِمَادُ عَلَى إشَارَتِهِ؛ فَالْكِتَابَةُ أَوْلَى وَأَمَّا الدَّعْوَى مِنْ الْكِتَابِ وَالشَّهَادَةُ مِنْ نُسْخَةٍ فِي يَدِهِ؛ فَقَالَ فِي الْخَانِيَّةِ: وَلَوْ ادَّعَى مِنْ الْكِتَابِ تُسْمَعُ دَعْوَاهُ لِأَنَّهُ عَسَى لَا يَقْدِرُ عَلَى الدَّعْوَى، لَكِنْ لَا بُدَّ مِنْ الْإِشَارَةِ فِي مَوْضِعِهَا وَفِي الْيَتِيمَةِ: سُئِلَ عَنْ وَكِيلٍ عَنْ جَمَاعَةٍ بِالدَّعْوَى لِأَشْيَاءَ عَنْ نُسْخَةٍ يَقْرَؤُهَا بَعْضُ الْمُوَكَّلِينَ هَلْ يَسْمَعُهَا الْقَاضِي؟ قَالَ: إذَا تَلَقَّنَهَا الْوَكِيلُ مِنْ لِسَانِ الْمُوَكِّلِ صَحَّ دَعْوَاهُ وَإِلَّا لَا. (انْتَهَى) وَفِي شَهَادَاتِ الْبَزَّازِيَّةِ. شَهِدَ أَحَدُهُمَا عَنْ النُّسْخَةِ وَقَرَأَهُ بِلِسَانِهِ وَقَرَأَ غَيْرُ الشَّاهِدِ الثَّانِي مِنْهُمَا وَقَرَأَ الشَّاهِدُ أَيْضًا مَعَهُ مُقَارِنًا لِقِرَاءَتِهِ، لَا يَصِحُّ لِأَنَّهُ لَا يَتَبَيَّنُ الْقَارِئُ مِنْ الشَّاهِدِ. وَذَكَرَ الْقَاضِي: ادَّعَى الْمُدَّعِي مِنْ الْكِتَابِ، تُسْمَعُ إذَا أَشَارَ إلَى مَوَاضِعِهَا. (انْتَهَى) وَفِي الصَّيْرَفِيَّةِ: شَهِدَا بِالْكِتَابَةِ فَطَلَبَ الْقَاضِي أَنْ يَشْهَدَا بِاللِّسَانِ لَا تَجِبُ. وَهَذَا اصْطِلَاحُ الْقُضَاةِ وَفِي الْيَتِيمَةِ: سُئِلَ عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ عَنْ الشَّاهِدِ إذَا كَانَ يَصِفُ حُدُودَ الْمُدَّعَى بِهِ حِينَ يَنْظُرُ فِي الصَّكِّ، وَإِذَا لَمْ يَنْظُرْ فِيهِ لَا يَقْدِرُ هَلْ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ؟ فَقَالَ: إذَا كَانَ بِنَظَرِهِ يَنْقُلُهُ وَيَحْفَظُهُ عَنْ النَّظَرِ فَلَا تُقْبَلُ، فَأَمَّا إذَا كَانَ يَسْتَعِينُ بِهِ نَوْعَ اسْتِعَانَةٍ كَقَارِئِ الْقُرْآنِ مِنْ الْمُصْحَفِ فَلَا بَأْسَ بِهِ. (انْتَهَى). وَأَمَّا الْحَوَالَةُ بِالْكِتَابِ فَذَكَرَهَا فِي كَفَالَةِ الْوَاقِعَاتِ الْحُسَامِيَّةِ فِي فَصْلِ السَّفْتَجَةِ وَفَصَّلَ فِيهَا تَفْصِيلًا حَسَنًا فَلْيُرَاجِعْهَا مَنْ رَامَهُ. وَأَمَّا الْوَصِيَّةُ بِالْكِتَابَةِ؛ فَقَالَ فِي شَهَادَاتِ الْمُجْتَبَى: كَتَبَ صَكًّا بِخَطِّ يَدِهِ إقْرَارًا بِمَالِ أَوْ وَصِيَّةٍ ثُمَّ قَالَ لِآخَرَ: اشْهَدْ عَلَيَّ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَقْرَأَ لَهُ، وَسِعَهُ أَنْ يَشْهَدَ. (انْتَهَى) وَفِي الْخَانِيَّةِ مِنْ الشَّهَادَاتِ: رَجُلٌ كَتَبَ صَكَّ وَصِيَّةٍ وَقَالَ لِلشُّهُودِ: اشْهَدُوا بِمَا فِيهِ وَلَمْ يَقْرَأْ وَصِيَّتَهُ عَلَيْهِمْ. قَالَ عُلَمَاؤُنَا: لَا يَجُوزُ لِلشُّهُودِ أَنْ يَشْهَدُوا بِمَا فِيهِ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: يَسَعُهُمْ أَنْ يَشْهَدُوا. وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَسَعُهُمْ، وَإِنَّمَا يَحِلُّ لَهُمْ أَنْ يَشْهَدُوا بِإِحْدَى مَعَانٍ ثَلَاثَةٍ: إمَّا أَنْ يَقْرَأَ الْكِتَابَ عَلَيْهِمْ، أَوْ كَتَبَ الْكِتَابَ غَيْرُهُ وَقَرَأَ عَلَيْهِ بَيْنَ يَدَيْ الشُّهُودِ وَيَقُولَ لَهُمْ اشْهَدُوا عَلَيَّ بِمَا فِيهِ، أَوْ يَكْتُبَ هُوَ بَيْنَ يَدَيْ الشَّاهِدِ وَالشَّاهِدُ يَعْلَمُ بِمَا فِيهِ وَيَقُولُ هُوَ اشْهَدُوا عَلَيَّ بِمَا فِيهِ، وَتَمَامُهُ فِيهَا.
الْإِشَارَةُ مِنْ الْأَخْرَسِ مُعْتَبَرَةٌ وَقَائِمَةٌ مَقَامَ الْعِبَارَةِ فِي كُلِّ شَيْءٍ: مِنْ بَيْعٍ وَإِجَارَةٍ وَهِبَةٍ وَرَهْنٍ وَنِكَاحٍ وَطَلَاقٍ وَعَتَاقٍ وَإِبْرَاءٍ وَإِقْرَارٍ وَقِصَاصٍ، إلَّا فِي الْحُدُودِ وَلَوْ حَدَّ قَذْفٍ، وَهَذَا مِمَّا خَالَفَ فِيهِ الْقِصَاصُ الْحُدُودَ. وَفِي رِوَايَةٍ أَنَّ الْقِصَاصَ كَالْحُدُودِ هُنَا فَلَا يَثْبُتُ بِالْإِشَارَةِ وَتَمَامُهُ فِي الْهِدَايَةِ. وَقَدْ اقْتَصَرَ فِي الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا عَلَى اسْتِثْنَاءِ الْحُدُودِ وَتُزَادُ عَلَيْهَا الشَّهَادَةُ؛ فَلَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ كَمَا فِي التَّهْذِيبِ. وَأَمَّا يَمِينُهُ فِي الدَّعَاوَى؛ فَفِي أَيْمَانِ خِزَانَةِ الْفَتَاوَى وَتَحْلِيفُ الْأَخْرَسِ: أَنْ يُقَالَ لَهُ عَلَيْك عَهْدُ اللَّهِ تَعَالَى وَمِيثَاقُهُ إنْ كَانَ كَذَا؟ فَيُشِيرُ بِهِ نَعَمْ، وَلَوْ حَلَفَ بِاَللَّهِ كَانَتْ إشَارَتُهُ إقْرَارًا بِاَللَّهِ تَعَالَى. وَظَاهِرُ اقْتِصَارِ الْمَشَايِخِ عَلَى اسْتِثْنَاءِ الْحُدُودِ فَقَطْ صِحَّةُ إسْلَامِهِ بِالْإِشَارَةِ وَلَمْ أَرَ الْآنَ فِيهَا نَقْلًا صَرِيحًا. كِتَابَةُ الْأَخْرَسِ كَإِشَارَتِهِ. وَاخْتَلَفُوا فِي أَنَّ عَدَمَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْكِتَابَةِ شَرْطٌ لِلْعَمَلِ بِالْإِشَارَةِ أَوْ لَا. وَالْمُعْتَمَدُ لَا، وَلِذَا ذَكَرَهُ فِي الْكَنْزِ بِأَوْ، وَلَا بُدَّ فِي إشَارَةِ الْأَخْرَسِ مِنْ أَنْ تَكُونَ مَعْهُودَةً وَإِلَّا لَا تُعْتَبَرُ. وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ مِنْ الطَّلَاقِ: وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْإِشَارَةِ الَّتِي يَقَعُ بِهَا طَلَاقُهُ الْإِشَارَةُ الْمَقْرُونَةُ بِتَصْوِيتٍ مِنْهُ، لِأَنَّ الْعَادَةَ مِنْهُ ذَلِكَ فَكَانَتْ بَيَانًا لِمَا أَجْمَلَهُ الْأَخْرَسُ. (انْتَهَى) وَأَمَّا إشَارَةُ غَيْرِ الْأَخْرَسِ، فَإِنْ كَانَ مُعْتَقَلَ اللِّسَانِ فَفِي اخْتِلَافٍ، وَالْفَتْوَى عَلَى أَنَّهُ إنْ دَامَتْ الْعُقْلَةُ إلَى وَقْتِ الْمَوْتِ يَجُوزُ إقْرَارُهُ بِالْإِشَارَةِ وَالْإِشْهَادُ عَلَيْهِ. وَمِنْهُمْ مَنْ قَدَّرَ الِامْتِدَادَ بِسَنَةٍ، وَهُوَ ضَعِيفٌ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُعْتَقَلَ اللِّسَانِ لَمْ تُعْتَبَرْ إشَارَتُهُ مُطْلَقًا إلَّا فِي أَرْبَعٍ: الْكُفْرُ وَالْإِسْلَامُ وَالنَّسَبُ وَالْإِفْتَاءُ. كَذَا فِي تَلْقِيحِ الْمَحْبُوبِيِّ، وَيُزَادُ أَخْذًا مِنْ مَسْأَلَةِ الْإِفْتَاءِ بِالرَّأْسِ إشَارَةُ الشَّيْخِ فِي رِوَايَةِ الْحَدِيثِ، وَأَمَانُ الْكَافِرِ أَخْذًا مِنْ النَّسَبِ لِأَنَّهُ يُحْتَاطُ فِيهِ لِحَقْنِ الدَّمِ، وَلِذَا ثَبَتَ بِكِتَابِ الْإِمَامِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ، أَوْ أَخْذًا مِنْ الْكِتَابِ وَالطَّلَاقِ إذَا كَانَ تَفْسِيرًا لِمُبْهَمٍ، كَمَا لَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ هَكَذَا وَأَشَارَ بِثَلَاثٍ وَقَعَتْ، بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ وَأَشَارَ بِثَلَاثٍ لَمْ تَقَعْ إلَّا وَاحِدَةٌ كَمَا عُلِمَ فِي الطَّلَاقِ، وَلَمْ أَرَ الْآنَ حُكْمُ أَنْتِ هَكَذَا مُشِيرًا بِأَصَابِعِهِ وَلَمْ يَقُلْ طَالِقٌ، وَتُزَادُ أَيْضًا الْإِشَارَةُ مِنْ الْمُحْرِمِ إلَى صَيْدٍ فَقَتَلَهُ يَجِبُ الْجَزَاءُ عَلَى الْمُشِيرِ وَهُنَا فُرُوعٌ لَمْ أَرَهَا الْآنَ. الْأَوَّلُ: إشَارَةُ الْأَخْرَسِ بِالْقِرَاءَةِ وَهُوَ جُنُبٌ، يَنْبَغِي أَنْ تَحْرُمَ عَلَيْهِ أَخْذًا مِنْ قَوْلِهِمْ: إنَّ الْأَخْرَسَ يَجِبُ عَلَيْهِ تَحْرِيكُ لِسَانِهِ، فَجَعَلُوا التَّحْرِيكَ قِرَاءَةً، الثَّانِي: عَلَّقَ الطَّلَاقِ بِمَشِيئَةِ أَخْرَسَ فَأَشَارَ بِالْمَشِيئَةِ، وَيَنْبَغِي الْوُقُوعُ لِوُجُودِ الشَّرْطِ. الثَّالِثُ: لَوْ عَلَّقَ بِمَشِيئَةِ رَجُلٍ نَاطِقٍ فَخَرِسَ فَأَشَارَ بِالْمَشِيئَةِ، يَنْبَغِي الْوُقُوعُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَأَصْحَابُنَا يَقُولُونَ: إذَا اجْتَمَعَتْ الْإِشَارَةُ وَالتَّسْمِيَةُ فَقَالَ فِي الْهِدَايَةِ مِنْ بَابُ الْمَهْرِ: الْأَصْلُ أَنَّ الْمُسَمَّى إذَا كَانَ مِنْ جِنْسِ الْمُشَارِ إلَيْهِ يَتَعَلَّقُ الْعَقْدُ بِالْمُشَارِ إلَيْهِ لِأَنَّ الْمُسَمَّى مَوْجُودٌ فِي الْمُشَارِ إلَيْهِ ذَاتًا وَالْوَصْفُ يَتْبَعُهُ، وَإِنْ كَانَ مِنْ خِلَافِ جِنْسِهِ يَتَعَلَّقُ بِالْمُسَمَّى، لِأَنَّ الْمُسَمَّى مِثْلُ الْمُشَارِ إلَيْهِ وَلَيْسَ بِتَابِعٍ لَهُ، وَالتَّسْمِيَةُ أَبْلَغُ فِي التَّعْرِيف مِنْ حَيْثُ إنَّهَا تُعَرِّفُ الْمَاهِيَّةَ، وَالْإِشَارَةُ تُعَرِّفُ الذَّاتَ، أَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ اشْتَرَى فَصًّا عَلَى أَنَّهُ يَاقُوتٌ فَإِذَا هُوَ زُجَاجٌ لَا يَنْعَقِدُ الْعَقْدُ لِاخْتِلَافِ الْجِنْسِ، وَلَوْ اشْتَرَى عَلَى أَنَّهُ يَاقُوتٌ أَحْمَرُ فَإِذَا هُوَ أَخْضَرُ انْعَقَدَ الْعَقْدُ لِاتِّحَادِ الْجِنْسِ. (انْتَهَى). قَالَ الشَّارِحُونَ: إنَّ هَذَا الْأَصْلَ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ فِي النِّكَاحِ وَالْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ وَسَائِرِ الْعُقُودِ، وَلَكِنْ أَبُو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ جَعَلَ الْخَمْرَ وَالْخَلَّ جِنْسًا، وَالْحُرَّ وَالْعَبْدَ جِنْسًا وَاحِدًا فَتَعَلَّقَ بِالْمُشَارِ إلَيْهِ؛ فَوَجَبَ مَهْرُ الْمِثْلِ فِيمَا لَوْ تَزَوَّجَهَا عَلَى هَذَا الدَّنِّ مِنْ الْخَلِّ وَأَشَارَ إلَى خَمْرٍ أَوْ عَلَى هَذَا الْعَبْدِ وَأَشَارَ إلَى حُرٍّ، وَلَوْ سَمَّى حَرَامًا وَأَشَارَ إلَى حَلَالٍ فَلَهَا الْحَلَالُ فِي الْأَصَحِّ، وَلَوْ سَمَّى الْبَيْعَ شَيْئًا وَأَشَارَ إلَى خِلَافِهِ؛ فَإِنْ كَانَ مِنْ خِلَافِ جِنْسِهِ بَطَلَ الْبَيْعُ كَمَا إذَا سَمَّى يَاقُوتًا وَأَشَارَ إلَى زُجَاجٍ لِكَوْنِهِ بَيْعَ الْمَعْدُومِ، وَلَوْ سَمَّى ثَوْبًا هَرَوِيًّا وَأَشَارَ إلَى مَرْوِيٍّ؛ اخْتَلَفُوا فِي بُطْلَانِهِ أَوْ فَسَادِهِ، هَكَذَا فِي الْخَانِيَّةِ فِي الْبَيْعِ الْبَاطِلِ ذُكِرَ الِاخْتِلَافُ فِي الثَّوْبِ دُونَ الْفَصِّ، وَنَظِيرُ الْفَصِّ: الذَّكَرُ وَالْأُنْثَى مِنْ بَنِي آدَمَ جِنْسَانِ، بِخِلَافِهِمَا مِنْ الْحَيَوَانِ جِنْسٌ وَاحِدٌ فَلَهُ الْخِيَارُ إذَا كَانَ الْجِنْسُ مُتَّحِدًا وَالْفَائِتُ الْوَصْفَ وَفِي بَابِ الِاقْتِدَاءِ قَالُوا: لَوْ نَوَى الِاقْتِدَاءَ بِهَذَا الْإِمَامِ زَيْدٍ فَبَانَ عَمْرًا لَمْ يَصِحَّ الِاقْتِدَاءُ، وَلَوْ نَوَى الِاقْتِدَاءَ بِالْإِمَامِ الْقَائِمِ فِي الْمِحْرَابِ عَلَى ظَنِّ أَنَّهُ زَيْدٌ فَبَانَ أَنَّهُ عَمْرٌو يَصِحُّ، وَلَوْ نَوَى الِاقْتِدَاءَ بِهَذَا الشَّابِّ فَإِذَا هُوَ شَيْخٌ لَمْ يَصِحَّ الِاقْتِدَاءُ بِهِ، وَلَوْ بِهَذَا الشَّيْخِ فَإِذَا هُوَ شَابٌّ يَصِحُّ لِأَنَّ الشَّابَّ يُدْعَى شَيْخًا لِعِلْمِهِ، وَقِيَاسُ الْأَوَّلِ أَنَّهُ لَوْ صَلَّى عَلَى جِنَازَةٍ عَلَى أَنَّهُ رَجُلٌ فَبَانَ أَنَّهُ امْرَأَةٌ لَمْ تَصِحَّ. وَاسْتَنْبَطَ مِنْ مَسْأَلَةِ الِاقْتِدَاءِ شَيْخُ الْإِسْلَامِ الْعَيْنِيُّ فِي شَرْحِ الْبُخَارِيِّ عِنْدَ الْكَلَامِ عَلَى الْحَدِيثِ: «صَلَاةٌ فِي مَسْجِدِي هَذَا أَفْضَلُ مِنْ أَلْفِ صَلَاةٍ فِيمَا سِوَاهُ» أَنَّ الِاعْتِبَارَ بِالتَّسْمِيَةِ عِنْدَ أَصْحَابِنَا رَحِمَهُمُ اللَّهُ فَلَا يَخْتَصُّ الثَّوَابُ بِمَا كَانَ فِي زَمَنِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى آخِرِ مَا قَالَهُ، وَأَمَّا فِي النِّكَاحِ، فَقَالَ فِي الْخَانِيَّةِ: رَجُلٌ لَهُ بِنْتٌ وَاحِدَةٌ اسْمُهَا عَائِشَةُ، فَقَالَ الْأَبُ وَقْتَ الْعَقْدِ زَوَّجْت مِنْك بِنْتِي فَاطِمَةَ لَا يَنْعَقِدُ النِّكَاحُ، وَلَوْ كَانَتْ الْمَرْأَةُ حَاضِرَةً فَقَالَ الْأَبُ زَوَّجْتُك بِنْتِي فَاطِمَةَ هَذِهِ، وَأَشَارَ إلَى عَائِشَةَ وَغَلِطَ فِي اسْمِهَا، فَقَالَ الزَّوْجُ قَبِلْت جَازَ. (انْتَهَى). وَمُقْتَضَاهُ أَنَّهُ لَوْ قَالَ: زَوَّجْتُك هَذَا الْغُلَامَ وَأَشَارَ إلَى بِنْتِهِ لَصَحَّتْ تَعْوِيلًا عَلَى الْإِشَارَةِ، وَكَذَا لَوْ قَالَ: زَوَّجْتُك هَذِهِ الْعَرَبِيَّةَ فَكَانَتْ أَعْجَمِيَّةً، أَوْ هَذِهِ الْعَجُوزَ فَكَانَتْ شَابَّةً، أَوْ هَذِهِ الْبَيْضَاءَ فَكَانَتْ سَوْدَاءَ أَوْ عَكْسَهُ، وَكَذَا الْمُخَالَفَةُ فِي جَمِيعِ وُجُوهِ النَّسَبِ وَالصِّفَاتِ وَالْعُلُوِّ وَالنُّزُولِ وَأَمَّا فِي بَابِ الْأَيْمَانِ؛ فَقَالُوا: لَوْ حَلَفَ لَا يُكَلِّمُ هَذَا الصَّبِيَّ أَوْ هَذَا الشَّابَّ فَكَلَّمَهُ بَعْدَ مَا شَاخَ حَنِثَ، وَلَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ لَحْمَ هَذَا الْحَمَلِ فَأَكَلَ بَعْدَ مَا صَارَ كَبْشًا حَنِثَ لِأَنَّ فِي الْأَوَّلِ وَصْفَ الصِّبَا، وَإِنْ كَانَ دَاعِيًا إلَى الْيَمِينِ لَكِنَّهُ مَنْهِيٌّ عَنْهُ شَرْعًا، وَفِي الثَّانِي وَصْفُ الصِّغَرِ لَيْسَ بِدَاعٍ إلَيْهَا، فَإِنَّ الْمُمْتَنِعَ عَنْهُ أَكْثَرُ امْتِنَاعًا عَنْ لَحْمِ الْكَبْشِ، وَلَوْ حَلَفَ لَا يُكَلِّمُ عَبْدَ فُلَانٍ هَذَا أَوْ امْرَأَتَهُ هَذِهِ أَوْ صَدِيقَهُ هَذَا فَزَالَتْ الْإِضَافَةُ فَكَلَّمَهُ لَمْ يَحْنَثْ فِي الْعَبْدِ، وَحَنِثَ فِي الْمَرْأَةِ وَالصَّدِيقِ، وَإِنْ حَلَفَ لَا يُكَلِّمُ صَاحِبَ هَذَا الطَّيْلَسَانِ فَبَاعَهُ ثُمَّ كَلَّمَهُ حَنِثَ.
قَالَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ: الْمِلْكُ قُدْرَةٌ يُثْبِتُهَا الشَّارِعُ ابْتِدَاءً عَلَى التَّصَرُّفِ، فَخَرَجَ نَحْوُ الْوَكِيلِ. (انْتَهَى). وَيَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ: إلَّا لِمَانِعٍ كَالْمَحْجُورِ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ مَالِكٌ وَلَا قُدْرَةَ لَهُ عَلَى التَّصَرُّفِ، وَالْمَبِيعُ الْمَنْقُولُ مَمْلُوكٌ لِلْمُشْتَرِي وَلَا قُدْرَةَ لَهُ عَلَى بَيْعِهِ قَبْلَ قَبْضِهِ. وَعَرَّفَهُ فِي الْحَاوِي الْقُدْسِيِّ بِأَنَّهُ الِاخْتِصَاصُ الْحَاجِزُ وَأَنَّهُ حُكْمُ الِاسْتِيلَاءِ لِأَنَّهُ بِهِ يَثْبُتُ لَا غَيْرُ، إذْ الْمَمْلُوكُ لَا يَمْلِكُ كَالْمَكْسُورِ لَا يَنْكَسِرُ لِأَنَّ اجْتِمَاعَ الْمِلْكَيْنِ فِي مَحِلٍّ وَاحِدٍ فَلَا بُدَّ وَأَنْ يَكُونَ الْمَحَلُّ الَّذِي ثَبَتَ الْمِلْكُ فِيهِ خَالِيًا عَنْ الْمِلْكِ، وَالْخَالِي عَنْ الْمِلْكِ هُوَ الْمُبَاحُ وَالْمُثَبِّتُ لِلْمِلِكِ فِي الْمَالِ الْمُبَاحِ الِاسْتِيلَاءُ لَا غَيْرُ إلَى آخِرِهِ وَفِيهِ مَسَائِلُ: الْأُولَى: أَسْبَابُ التَّمَلُّكِ: الْمُعَاوَضَاتُ الْمَالِيَّةُ وَالْأَمْهَارُ وَالْخُلْعُ وَالْمِيرَاثُ وَالْهِبَاتُ وَالصَّدَقَاتُ وَالْوَصَايَا وَالْوَقْفُ وَالْغَنِيمَةُ وَالِاسْتِيلَاءُ عَلَى الْمُبَاحِ وَالْإِحْيَاءِ، وَتُمْلَكُ اللُّقَطَةُ بِشَرْطِهِ، وَدِيَةُ الْقَتِيلِ يَمْلِكُهَا أَوَّلًا ثُمَّ تُنْقَلُ إلَى الْوَرَثَةِ، وَمِنْهَا الْغُرَّةُ يَمْلِكُهَا الْجَنِينُ فَتُورَثُ عَنْهُ، وَالْغَاصِبُ إذَا فَعَلَ بِالْمَغْصُوبِ شَيْئًا أَزَالَ بِهِ اسْمَهُ وَعَظَّمَ مَنَافِعَ مِلْكِهِ وَإِذَا خَلَطَ الْمِثْلِيَّ بِمِثْلِيٍّ بِحَيْثُ لَا يَتَمَيَّزُ مِلْكُهُ. الثَّانِيَةُ: لَا يَدْخُلُ فِي مِلْكِ الْإِنْسَانِ شَيْءٌ بِغَيْرِ اخْتِيَارِهِ إلَّا الْإِرْثُ اتِّفَاقًا، وَكَذَا الْوَصِيَّةُ فِي مَسْأَلَةٍ؛ وَهِيَ أَنْ يَمُوتَ الْمُوصَى لَهُ بَعْدَ مَوْتِ الْمُوصِي قَبْلَ قَبُولِهِ. قَالَ الزَّيْلَعِيُّ: وَكَذَا إذَا أَوْصَى لِلْجَنِينِ يَدْخُلُ فِي مِلْكِهِ مِنْ غَيْرِ قَبُولٍ اسْتِحْسَانًا لِعَدَمِ مَنْ يَلِي عَلَيْهِ حَتَّى يَقْبَلَ عَنْهُ. (انْتَهَى). وَزِدْتُ: مَا وُهِبَ لِلْعَبْدِ وَقَبِلَهُ بِغَيْرِ إذْنِ السَّيِّدِ يَمْلِكُهُ السَّيِّدُ بِلَا اخْتِيَارِهِ، وَغَلَّةُ الْوَقْفِ يَمْلِكُهَا الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ وَإِنْ لَمْ يَقْبَلْ، وَنِصْفُ الصَّدَاقِ بِالطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ لَكِنْ يَسْتَحِقُّهُ الزَّوْجُ إنْ كَانَ قَبْلَ الْقَبْضِ مُطْلَقًا، وَبَعْدَهُ لَا يَمْلِكُهُ إلَّا بِقَضَاءٍ أَوْ رِضَاءٍ كَمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، وَالْمَعِيبُ إذَا رَدَّ عَلَى الْبَائِعِ بِهِ، لَكِنْ إنْ كَانَ قَبْلَ الْقَبْضِ انْفَسَخَ الْبَيْعُ مُطْلَقًا وَإِنْ كَانَ بَعْدَهُ فَلَا بُدَّ مِنْ الْقَضَاءِ أَوْ الرِّضَاءِ كَالْمَوْهُوبِ إذَا رَجَعَ الْوَاهِبُ فِيهِ، وَأَرْشُ الْجِنَايَاتِ وَالشَّفِيعُ إذَا تَمَلَّكَ بِالشُّفْعَةِ دَخَلَ الثَّمَنُ فِي مِلْكِ الْمَأْخُوذِ مِنْهُ جَبْرًا كَالْمَبِيعِ إذَا هَلَكَ فِي يَدِ الْبَائِعِ فَإِنَّ الثَّمَنَ يَدْخُلُ فِي مِلْكِ الْمُشْتَرِي، وَكَذَا إنْمَاءُ مِلْكِهِ مِنْ الْوَلَدِ وَالثِّمَارِ وَالْمَاءُ النَّابِعُ فِي مِلْكِهِ وَمَا كَانَ مِنْ إنْزَالِ الْأَرْضِ، إلَّا الْكَلَأَ وَالْحَشِيشَ وَالصَّيْدَ الَّذِي بَاضَ فِي أَرْضِهِ الثَّالِثَةُ: الْمَبِيعُ يَمْلِكُهُ الْمُشْتَرِي بِالْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ إلَّا إذَا كَانَ فِي خِيَارِ الشَّرْطِ: فَإِنْ كَانَ لِلْبَائِعِ لَمْ يَمْلِكْهُ الْمُشْتَرِي اتِّفَاقًا، وَإِنْ كَانَ لِلْمُشْتَرِي فَكَذَلِكَ عِنْدَ الْإِمَامِ خِلَافًا لَهُمَا، وَفِي التَّحْقِيقِ الْأَمْرُ مَوْقُوفٌ، فَإِنْ تَمَّ كَانَ لِلْمُشْتَرِي؛ فَتَكُونُ الزَّوَائِدُ لَهُ مِنْ حِينِهِ وَإِنْ فُسِخَ فَهُوَ لِلْبَائِعِ، فَالزَّوَائِدُ لَهُ، وَيَقْرُبُ مِنْهُ مِلْكُ الْمُرْتَدِّ فَإِنَّهُ يَزُولُ عَنْهُ زَوَالًا مُرَاعًى؛ فَإِنْ أَسْلَمَ تَبَيَّنَ أَنَّهُ لَمْ يَزُلْ، وَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ بَانَ أَنَّهُ زَالَ عَنْ وَقْتِهَا. الرَّابِعَةُ: الْمُوصَى لَهُ يَمْلِكُ الْمُوصَى بِهِ بِالْقَبُولِ إلَّا فِي مَسْأَلَةٍ قَدَّمْنَاهَا فَلَا يُحْتَاجُ إلَيْهَا، فَلَهَا شَبَهَانِ: شَبَهٌ بِالْهِبَةِ فَلَا بُدَّ مِنْ الْقَبُولِ، وَشَبَهٌ بِالْمِيرَاثِ فَلَا يَتَوَقَّفُ الْمِلْكُ عَلَى الْقَبْضِ، وَإِذَا وَقَعَ الْيَأْسُ مِنْ الْقَبُولِ اُعْتُبِرَتْ مِيرَاثًا؛ فَلَا تَتَوَقَّفُ عَلَى الْقَبُولِ، وَإِذَا قَبِلَهَا ثُمَّ رَدَّهَا عَلَى الْوَرَثَةِ، إنْ قَبِلُوهَا انْفَسَخَ مِلْكُهُ وَإِلَّا لَمْ يُجْبَرُوا كَمَا فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ، وَالْمِلْكُ بِقَبُولِهِ يَسْتَنِدُ إلَى وَقْتِ مَوْتِ الْوَصِيِّ بِدَلِيلِ مَا فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ: رَجُلٌ أَوْصَى بِعَبْدٍ لِإِنْسَانٍ وَالْمُوصَى لَهُ غَائِبٌ فَنَفَقَتُهُ فِي مَالِ الْمُوصِي، فَإِنْ حَضَرَ الْغَائِبُ إنْ قَبِلَ رَجَعَ عَلَيْهِ بِالنَّفَقَةِ إنْ فَعَلَ ذَلِكَ بِأَمْرِ الْقَاضِي، وَإِنْ لَمْ يَقْبَلْ فَهُوَ مِلْكُ الْوَرَثَةِ. (انْتَهَى). الْخَامِسَةُ: لَا يَمْلِكُ الْمُؤَجِّرُ الْأُجْرَةَ بِنَفْسِ الْعَقْدِ، وَإِنَّمَا يَمْلِكُهَا بِالِاسْتِيفَاءِ أَوْ بِالتَّمَكُّنِ مِنْهُ أَوْ بِالتَّعْجِيلِ أَوْ بِشَرْطِهِ، فَلَوْ كَانَ عَبْدًا فَأَعْتَقَهُ الْمُؤَجِّرُ قَبْلَ وُجُودِ وَاحِدٍ مِمَّا ذَكَرْنَاهُ لَمْ يَنْفُذْ عِتْقُهُ لِعَدَمِ الْمِلْكِ؛ وَعَلَى هَذَا لَا يَمْلِكُ الْمُسْتَأْجِرُ الْمَنَافِعَ بِالْعَقْدِ لِأَنَّهَا تَحْدُثُ شَيْئًا فَشَيْئًا وَبِهَذَا فَارَقَتْ الْبَيْعَ، فَإِنَّ الْبَيْعَ عَيْنٌ مَوْجُودَةٌ فَمَا لَمْ تَحْدُثْ فَهُوَ عَلَى مِلْكِ الْمُؤَجِّرِ، وَلِذَا قُلْنَا: إنَّ الْمُسْتَأْجِرَ لَا تَصِحُّ إجَارَتُهُ مِنْ الْمُؤَجِّرِ. السَّادِسَةُ: اخْتَلَفُوا فِي الْقَرْضِ: هَلْ يَمْلِكُهُ الْمُسْتَقْرِضُ بِالْقَبْضِ أَوْ بِالتَّصَرُّفِ؟ وَفَائِدَتُهُ مَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ: بَاعَ الْمُقْرِضُ مِنْ الْمُسْتَقْرِضِ الْكُرَّ الْمُسْتَقْرَضَ، الَّذِي هُوَ فِي يَدِ الْمُسْتَقْرِضِ قَبْلَ الِاسْتِهْلَاكِ، يَجُوزُ لِأَنَّهُ صَارَ مِلْكًا لِلْمُسْتَقْرِضِ، وَعِنْدَ الثَّانِي لَا يَجُوزُ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ الْمُسْتَقْرَضَ قَبْلَ الِاسْتِهْلَاكِ، وَبَيْعُ الْمُسْتَقْرِضِ يَجُوزُ إجْمَاعًا، فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ يَمْلِكُ بِنَفْسِ الْقَرْضِ، وَإِنْ كَانَ مِمَّا لَا يَتَعَيَّنُ كَالنَّقْدَيْنِ يَجُوزُ بَيْعُ مَا فِي الذِّمَّةِ وَإِنْ كَانَ قَائِمًا فِي يَدِ الْمُسْتَقْرِضِ، وَيَجُوزُ لِلْمُقْرِضِ التَّصَرُّفُ فِي الْكُرِّ الْمُسْتَقْرَضِ بَعْدَ الْقَبْضِ قَبْلَ الْكَيْلِ بِخِلَافِ الْبَيْعِ. (انْتَهَى). وَلْيُتَأَمَّلْ فِي مُنَاسَبَةِ التَّعْلِيلِ لِلْحُكْمِ. السَّابِعَةُ: دِيَةُ الْقَتْلِ تَثْبُتُ لِلْمَقْتُولِ ابْتِدَاءً ثُمَّ تَنْتَقِلُ إلَى وَرَثَتِهِ؛ فَهِيَ كَسَائِرِ أَمْوَالِهِ فَتُقْضَى مِنْهَا دُيُونُهُ وَتُنَفَّذُ وَصَايَاهُ؛ وَلَوْ أَوْصَى بِثُلُثِ مَالِهِ دَخَلَتْ. وَعِنْدَنَا الْقِصَاصُ بَدَلٌ عَنْهَا فَيُورَثُ كَسَائِرِ أَمْوَالِهِ، وَلِهَذَا لَوْ انْقَلَبَ مَا لَا تُقْضَى بِهِ دُيُونُهُ وَتُنَفَّذُ وَصَايَاهُ، ذَكَرَ الزَّيْلَعِيُّ فِي بَابِ الْقِصَاصِ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ. وَفُرِّعَتْ عَلَى ذَلِكَ، وَلَمْ أَرَ مِنْ فَرْعِهِ: لَوْ قَالَ اُقْتُلْنِي فَقَتَلَهُ؛ وَقُلْنَا لَا قِصَاصَ بِاتِّفَاقِ الرِّوَايَاتِ عَنْ الْإِمَامِ؛ فَلَا دِيَةَ أَيْضًا لِأَنَّهَا تَثْبُتُ لِلْمَقْتُولِ وَقَدْ أَذِنَ فِي قَتْلِهِ وَهِيَ إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ، وَيَنْبَغِي تَرْجِيحُهَا لِمَا ذَكَرْنَا، ثُمَّ رَأَيْتُ فِي الْبَزَّازِيَّةِ أَنَّ الْأَصَحَّ عَدَمُ وُجُوبِهَا؛ فَظَهَرَ مَا رَجَّحْتُهُ بَحْثًا مُرَجَّحًا نَقْلًا وَلِلَّهِ الْحَمْدُ وَالْمِنَّةُ، وَلَوْ جَنَى الْمَرْهُونُ عَلَى وَارِثِ السَّيِّدِ قَتْلًا لَمْ أَرَهُ الْآنَ، وَمُقْتَضَى ثُبُوتِهَا لِلْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ ابْتِدَاءً أَنْ يَكُونَ الْحُكْمُ مُخَالِفًا لِمَا إذَا جَنَى عَلَى الرَّاهِنِ. الثَّامِنَةُ: فِي رَقَبَةِ الْوَقْفِ؛ الصَّحِيحُ عِنْدَنَا أَنَّ الْمِلْكَ يَزُولُ عَنْ الْمَالِكِ لَا إلَى مَالِكٍ، وَإِنَّهُ لَا يَدْخُلُ فِي مِلْكِ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ وَلَوْ كَانَ مُعَيَّنًا. التَّاسِعَةُ: اخْتَلَفُوا فِي وَقْتِ مِلْكِ الْوَارِثِ: قِيلَ فِي آخِرِ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَاءِ حَيَاةِ الْمُوَرِّثِ، وَقِيلَ بِمَوْتِهِ، وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ مَعَ فَائِدَةِ الِاخْتِلَافِ فِي الْفَرَائِضِ مِنْ الْفَوَائِدِ، وَالدَّيْنُ الْمُسْتَغْرِقُ لِلتَّرِكَةِ يَمْنَعُ مِلْكَ الْوَارِثِ، قَالَ فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ مِنْ الْفَصْلِ الثَّامِنِ وَالْعِشْرِينَ: لَوْ اسْتَغْرَقَهَا دَيْنٌ لَا يَمْلِكُهَا بِإِرْثٍ إلَّا إذَا أَبْرَأَ الْمَيِّتَ غَرِيمُهُ أَوْ أَدَّاهُ وَارِثُهُ بِشَرْطِ التَّبَرُّعِ وَقْتَ الْأَدَاءِ، أَمَّا لَوْ أَدَّاهُ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ مُطْلَقًا، بِشَرْطِ التَّبَرُّعِ أَوْ الرُّجُوعِ، يَجِبُ لَهُ دَيْنٌ عَلَى الْمَيِّتِ فَتَصِيرُ مَشْغُولَةً بِدَيْنٍ فَلَا يَمْلِكُهَا؛ فَلَوْ تَرَكَ ابْنًا وَقِنًّا وَدَيْنُهُ مُسْتَغْرِقٌ فَأَدَّاهُ وَارِثُهُ ثُمَّ أَذِنَ لِلْقِنِّ فِي التِّجَارَةِ أَوْ كَاتِبِهِ لَمْ يَصِحَّ إذَا لَمْ يَمْلِكْهُ، وَلَا يَنْفُذُ بَيْعُ الْوَارِثِ التَّرِكَةَ الْمُسْتَغْرِقَةَ بِالدَّيْنِ وَإِنَّمَا يَبِيعُهُ الْقَاضِي وَالدَّيْنَ الْمُسْتَغْرِقَ بِمَنْعِ جَوَازِ الصُّلْحِ وَالْقِسْمَةِ فَإِنْ لَمْ يُسْتَغْرَقْ لَا يَنْبَغِي أَنْ يُصَالِحُوا مَا لَمْ يَقْضُوا دَيْنَهُ، وَلَوْ فَعَلُوا جَازَ، وَلَوْ اقْتَسَمُوهَا ثُمَّ ظَهَرَ دَيْنٌ مُحْبِطٌ أَوْ لَا رُدَّتْ الْقِسْمَةُ وَلِلْوَارِثِ اسْتِخْلَاصُ التَّرِكَةِ بِقَضَاءِ الدَّيْنِ وَلَوْ مُسْتَغْرِقًا. وَهُنَا مَسْأَلَةٌ: لَوْ كَانَ الدَّيْنُ لِلْوَارِثِ وَالْمَالُ مُنْحَصِرٌ فِيهِ؛ فَهَلْ يَسْقُطُ الدَّيْنُ وَمَا يَأْخُذُهُ مِيرَاثٌ أَوْ لَا، وَمَا يَأْخُذُهُ دَيْنُهُ؟ قَالَ فِي آخِرِ الْبَزَّازِيَّةِ: اسْتِغْرَاقُ التَّرِكَةِ بِدَيْنِ الْوَارِثِ إذَا كَانَ هُوَ الْوَارِثَ لَا غَيْرُ لَا يَمْنَعُ الْإِرْثَ. (انْتَهَى). ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ مِلْكَ الْوَارِثِ بِطَرِيقِ الْخِلَافَةِ عَنْ الْمَيِّتِ، فَهُوَ قَائِمٌ مَقَامَهُ كَأَنَّهُ حَيٌّ فَيَرُدُّ الْمَبِيعَ بِعَيْبٍ وَيُرَدُّ عَلَيْهِ، وَيَصِيرُ مَغْرُورًا بِالْجَارِيَةِ الَّتِي اشْتَرَاهَا الْمَيِّتُ، وَيَصِحُّ إثْبَاتُ دَيْنِ الْمَيِّتِ عَلَيْهِ وَيَتَصَرَّفُ وَصِيُّ الْمَيِّتِ بِالْبَيْعِ فِي التَّرِكَةِ مَعَ وُجُودِهِ. وَأَمَّا مِلْكُ الْمُوصَى لَهُ فَلَيْسَ خِلَافَةً عَنْهُ بَلْ بِعَقْدٍ يَمْلِكُهُ ابْتِدَاءً، فَانْعَكَسَتْ الْأَحْكَامُ الْمَذْكُورَةُ فِي حَقِّهِ، كَذَا ذَكَرَهُ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي شَرْحِ أَدَبِ الْقَضَاءِ لِلْخَصَّافِ وَذَكَرَ فِي التَّلْخِيصِ مَا ذَكَرْنَاهُ، وَزَادَ عَلَيْهِ أَنَّهُ يَصِحُّ شِرَاءُ مَا بَاعَ الْمَيِّتُ بِأَقَلَّ مِمَّا بَاعَ قَبْلَ نَقْدِ الثَّمَنِ بِخِلَافِ الْوَارِثِ. الْعَاشِرَةُ: يَمْلِكُ الصَّدَاقَ بِالْعَقْدِ؛ فَالزَّوَائِدُ لَهَا قَبْلَ الْقَبْضِ؛ وَإِنَّمَا الْكَلَامُ فِي تَنْصِيفِ الزِّيَادَةِ مَعَ الْأَصْلِ بِالطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ، وَقَدْ ذَكَرْنَا تَفَاصِيلَهَا فِي شَرْحِ الْكَنْزِ وَقَدَّمْنَا أَنَّ النِّصْفَ يَعُودُ إلَى مِلْكِ الزَّوْجِ بِالطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ قَبْلَ الْقَبْضِ مُطْلَقًا، وَبَعْدَهُ بِقَضَاءٍ أَوْ رِضَاءٍ، وَفَائِدَتُهُ فِي الزَّوَائِدِ. الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ فِي اسْتِقْرَارِ الْمِلْكِ؛ فَيَسْتَقِرُّ فِي الْبَيْعِ الْخَالِي عَنْ الْخِيَارِ بِالْقَبْضِ، وَيَسْتَقِرُّ الصَّدَاقُ بِالدُّخُولِ أَوْ الْخَلْوَةِ أَوْ الْمَوْتِ أَوْ وُجُوبِ الْعِدَّةِ عَلَيْهَا مِنْهُ قَبْلَ النِّكَاحِ كَمَا أَوْضَحْنَاهُ فِي الشَّرْحِ. وَالْأَخِيرُ مِنْ زِيَادَاتِي أَخْذًا مِنْ كَلَامِهِمْ وَالْمُرَادُ مِنْ الِاسْتِقْرَارِ فِي الْبَيْعِ الْأَمْنُ مِنْ انْفِسَاخِهِ بِالْهَلَاكِ، وَفِي الصَّدَاقِ الْأَمْنُ مِنْ تَشْطِيرِهِ بِالطَّلَاقِ وَسُقُوطِهِ بِالرِّدَّةِ وَتَقْبِيلِ ابْنِ الزَّوْجِ قَبْلَ الدُّخُولِ، وَلَا يَتَوَقَّفُ اسْتِقْرَارُهُ عَلَى الْقَبْضِ لِأَنَّهُ لَوْ هَلَكَ لَمْ يَنْفَسِخْ النِّكَاحُ: وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الدَّيْنِ وَالْعَيْنِ. وَجَمِيعُ الدُّيُونِ بَعْدَ لُزُومِهَا مُسْتَقِرَّةٌ إلَّا دَيْنَ السَّلَمِ لِقَبُولِهِ الْفَسْخَ بِالِانْقِطَاعِ بِخِلَافِ ثَمَنِ الْمَبِيعِ فَإِنَّهُ لَا يَقْبَلُهُ بِالِانْقِطَاعِ لِجَوَازِ الِاعْتِيَاضِ عَنْهُ. وَأَمَّا الْمِلْكُ فِي الْمَغْصُوبِ وَالْمُسْتَهْلَكِ فَمُسْتَنِدٌ عِنْدَنَا إلَى وَقْتِ الْغَصْبِ وَالِاسْتِهْلَاكِ؛ فَإِذَا غَيَّبَ الْمَغْصُوبَ وَضَمِنَ قِيمَتُهُ مَلَكَهُ عِنْدَنَا مُسْتَنِدًا إلَى وَقْتِ الْغَصْبِ، وَفَائِدَتُهُ تَمَلُّكُ الِاكْتِسَابِ وَوُجُوبُ الْكَفَنِ وَنُفُوذُ الْبَيْعِ وَلَا يَكُونُ الْوَلَدُ لَهُ. وَالتَّحْقِيقُ عِنْدَنَا أَنَّ الْمِلْكَ يَثْبُتُ لِلْغَاصِبِ بِشَرْطِ الْقَضَاءِ بِالْقِيمَةِ، لَا حُكْمًا ثَابِتًا بِالْغَصْبِ مَقْصُودًا وَلِذَا لَا يَمْلِكُ الْوَلَدُ، بِخِلَافِ الزِّيَادَةِ الْمُتَّصِلَةِ كَذَا فِي الْكَشْفِ فِي بَابِ النَّهْيِ. وَفِي الْهِدَايَةِ مِنْ النَّفَقَةِ: لَوْ أَنْفَقَ الْمُودِعُ عَلَى أَبَوَيْ الْمُودَعِ بِلَا إذْنِهِ وَإِذْنِ الْقَاضِي ضَمِنَهَا، ثُمَّ إذَا ضَمِنَ لَمْ يَرْجِعْ عَلَيْهِمَا لِأَنَّهُ لِمَا ضَمِنَ مِلْكَهُ بِالضَّمَانِ فَظَهَرَ أَنَّهُ كَانَ مُتَبَرِّعًا. وَذَكَرَ الزَّيْلَعِيُّ: أَنَّهُ بِالضَّمَانِ اسْتَنَدَ مِلْكُهُ إلَى وَقْتِ التَّعَدِّي فَتَبَيَّنَ أَنَّهُ تَبَرُّعٌ مَلَكَهُ فَصَارَ كَمَا إذَا قَضَى دَيْنَ الْمُودِعِ بِهَا. (انْتَهَى). وَفِي شَرْحِ الزِّيَادَاتِ لِقَاضِي خَانْ مِنْ أَوَّلِ كِتَابِ الْغَصْبِ: الْأَصْلُ الْأَوَّلُ: إنَّ زَوَالَ الْمَغْصُوبِ عَنْ مِلْكِ الْمَالِكِ عِنْدَ أَدَاءِ الضَّمَانِ عِنْدَنَا يَسْتَنِدُ إلَى وَقْتِ الْغَصْبِ فِي حَقِّ الْمَالِكِ وَالْغَاصِبِ وَفِي حَقِّ غَيْرِهِمَا يَقْتَصِرُ عَلَى التَّضْمِينِ؛ إلَّا إذَا تَعَلَّقَ بِالِاسْتِنَادِ حُكْمٌ شَرْعِيٌّ يَمْنَعُنَا مِنْ أَنْ نَجْعَلَ الزَّوَالَ مَقْصُورًا عَلَى الْحَالِ فَحِينَئِذٍ يَسْتَنِدُ فِي حَقِّ الْكُلِّ لِأَنَّ الزَّوَالَ فِي حَقِّ الْمَالِكِ وَالْغَاصِبِ اسْتَنَدَ لَا لِكَوْنِ الْغَصْبِ سَبَبًا لِلْمِلْكِ وَضْعًا حَتَّى يَسْتَنِدَ فِي حَقِّ الْكُلِّ، بَلْ ضَرُورَةُ وُجُوبِ الضَّمَانِ مِنْ وَقْتِ الْغَصْبِ، فَلَا يَظْهَرُ ذَلِكَ فِي حَقِّ غَيْرِهِمَا إلَّا إذَا اتَّصَلَ بِالِاسْتِنَادِ حُكْمٌ شَرْعِيٌّ لِأَنَّ الْحُكْمَ الشَّرْعِيَّ يَظْهَرُ فِي حَقِّ الْكُلِّ فَيَظْهَرُ الِاسْتِنَادُ فِي حَقِّ الْكُلِّ، ثُمَّ ذَكَرَ فُرُوعًا كَثِيرَةً عَلَى هَذَا الْأَصْلِ: مِنْهَا؛ الْغَاصِبُ إذَا أَوْدَعَ الْعَيْنَ ثُمَّ هَلَكَتْ عِنْدَ الْمُودَعِ ثُمَّ ضَمَّنَ الْمَالِكُ الْغَاصِبَ فَلَا رُجُوعَ لَهُ عَلَى الْمُودَعِ لِأَنَّهُ مَلَكَهَا بِالضَّمَانِ فَصَارَ مُودَعًا مَالَ نَفْسِهِ، وَفِيهِ إذَا غَصَبَ جَارِيَةً فَأَوْدَعَهَا فَأَبَقَتْ فَضَمَّنَهُ الْمَالِكُ قِيمَتَهَا مَلَكَهَا الْغَاصِبُ، فَلَوْ أَعْتَقَهَا الْغَاصِبُ صَحَّ، وَلَوْ ضَمِنَهَا الْمُودِعُ فَأَعْتَقَهَا لَمْ يَجُزْ، وَلَوْ كَانَتْ مُحَرَّمَةً مِنْ الْغَاصِبِ عَتَقَتْ عَلَيْهِ لَا عَلَى الْمُودِعِ إذَا ضَمِنَا، لِأَنَّ قَرَارَ الضَّمَانِ عَلَى الْغَاصِبِ، لِأَنَّ الْمُودَعَ وَإِنْ جَازَ تَضْمِينُهُ فَلَهُ الرُّجُوعُ بِمَا ضَمِنَ عَلَى الْغَاصِبِ وَهُوَ الْمُودَعُ لِكَوْنِهِ عَامِلًا لَهُ فَهُوَ كَوَكِيلِ الشِّرَاءِ، وَلَوْ اخْتَارَ الْمُودَعُ بَعْدَ تَضْمِينِهِ أَخْذَهَا بَعْدَ عَوْدِهَا وَلَا يَرْجِعُ عَلَى الْغَاصِبِ لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ وَإِنْ هَلَكَتْ فِي يَدِهِ بَعْدَ الْعَوْدِ مِنْ الْإِبَاقِ كَانَتْ أَمَانَةً وَلَهُ الرُّجُوعُ عَلَى الْغَاصِبِ بِمَا ضَمِنَ، وَكَذَا إذَا ذَهَبَتْ عَيْنُهَا. وَلِلْمُودَعِ حَبْسُهَا عَنْ الْغَاصِبِ حَتَّى يُعْطِيَهُ مَا ضَمِنَهَا الْمَالِكُ، فَإِنْ هَلَكَتْ بَعْدَ الْحَبْسِ هَلَكَتْ بِالْقِيمَةِ، وَإِنْ ذَهَبَتْ عَيْنُهَا بَعْدَ الْحَبْسِ لَمْ يَضْمَنْهَا كَالْوَكِيلِ بِالشِّرَاءِ، لِأَنَّ الْفَائِتَ وُصِفَ وَهُوَ لَا يُقَابِلُهُ شَيْءٌ، وَلَكِنْ يَتَخَيَّرُ الْغَاصِبُ إنْ شَاءَ أَخَذَهَا وَأَدَّى جَمِيعَ الْقِيمَةِ، وَإِنْ شَاءَ تَرَكَ كَمَا فِي الْوَكِيلِ بِالشِّرَاءِ، وَلَوْ كَانَ الْغَاصِبُ آجَرَهَا أَوْ رَهَنَهَا فَهُوَ الْوَدِيعَةُ سَوَاءٌ. وَإِنْ أَعَارَهَا أَوْ وَهَبَهَا، فَإِنْ ضَمِنَ الْغَاصِبُ كَانَ الْمِلْكُ لَهُ، وَإِنْ ضَمِنَ الْمُسْتَعِيرُ أَوْ الْمَوْهُوبُ لَهُ كَانَ الْمِلْكُ لَهُمَا، لِأَنَّهُمَا لَا يَسْتَوْجِبَانِ الرُّجُوعَ عَلَى الْغَاصِبِ فَكَانَ قَرَارُ الضَّمَانِ عَلَيْهِمَا فَكَانَ الْمِلْكُ لَهُمَا، وَلَوْ كَانَ مَكَانَهُمَا مُشْتَرٍ فَضَمِنَ سُلِّمَتْ الْجَارِيَةُ لَهُ، وَكَذَا غَاصِبُ الْغَاصِبِ إذَا ضَمِنَ مَلَكَهَا، لِأَنَّهُ لَا يَرْجِعُ عَلَى الْأَوَّلِ فَتُعْتَقُ عَلَيْهِ لَوْ كَانَتْ مُحَرَّمَةً مِنْهُ، وَلَوْ كَانَتْ أَجْنَبِيَّةً فَلِلْأَوَّلِ الرُّجُوعُ بِمَا ضَمِنَ عَلَى الثَّانِي لِأَنَّهُ مَلَكَهَا فَيَصِيرُ الثَّانِي غَاصِبًا مِلْكَ الْأَوَّلِ، وَكَذَا لَوْ أَبْرَأَهُ الْمَالِكُ بَعْدَ التَّضْمِينِ أَوْ وَهَبَهَا لَهُ كَانَ لَهُ الرُّجُوعُ عَلَى الثَّانِي. وَإِذَا ضَمَّنَ الْمَالَ الْأَوَّلَ وَلَمْ يُضَمِّنْ الْأَوَّلُ الثَّانِي حَتَّى ظَهَرَتْ الْجَارِيَةُ كَانَتْ مِلْكًا لِلْأَوَّلِ، فَإِنْ قَالَ: أَنَا أُسَلِّمُهَا لِلثَّانِي وَأَرْجِعُ عَلَيْهِ لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ لِأَنَّ الثَّانِي قَدَرَ عَلَى رَدِّ الْعَيْنِ فَلَا يَجُوزُ تَضْمِينُهُ، وَإِنْ رَجَعَ الْأَوَّلُ عَلَى الثَّانِي ثُمَّ ظَهَرَتْ كَانَتْ لِلثَّانِي، وَتَمَامُ التَّفْرِيعَاتِ فِيهِ. الثَّانِيَةَ عَشْرَةَ: الْمِلْكُ إمَّا لِلْعَيْنِ وَالْمَنْفَعَةِ مَعًا وَهُوَ الْغَالِبُ، أَوْ الْعَيْنِ فَقَطْ، أَوْ لِلْمَنْفَعَةِ فَقَطْ كَالْعَبْدِ الْمُوصَى بِهِ بِمَنْفَعَتِهِ أَبَدًا رَقَبَتُهُ لِلْوَارِثِ، وَلَيْسَ لَهُ شَيْءٌ مِنْ مَنَافِعِهِ، وَمَنْفَعَتُهُ لِلْمُوصَى لَهُ. فَإِذَا مَاتَ الْمُوصَى لَهُ عَادَتْ الْمَنْفَعَةُ إلَى الْمَالِكِ، وَالْوَلَدُ وَالْغَلَّةُ وَالْكَسْبُ لِلْمَالِكِ، وَلَيْسَ لِلْمُوصَى لَهُ الْإِجَارَةُ وَلَا إخْرَاجُهُ مِنْ بَلَدِ الْمُوصِي إلَّا أَنْ يَكُونَ أَهْلُهُ، فِي غَيْرِهَا، وَيَخْرُجُ الْعَبْدُ مِنْ الثُّلُثِ، وَلَا يَمْلِكُ اسْتِخْدَامَهُ إلَّا فِي وَطَنِهِ وَعِنْدَ أَهْلِهِ، وَيَصِحُّ الصُّلْحُ مَعَ الْمُوصَى لَهُ عَلَى شَيْءٍ وَتَبْطُلُ الْوَصِيَّةُ، وَجَازَ بَيْعُ الْوَارِثِ الرَّقَبَةَ مِنْ الْمُوصَى لَهُ، وَلَوْ جَنَى الْعَبْدُ فَالْفِدَاءُ عَلَى الْمَخْدُومِ فَإِنْ مَاتَ رَجَعَ وَرَثَتُهُ بِالْفِدَاءِ عَلَى صَاحِبِ الرَّقَبَةِ. فَإِنْ أَبَى بَيْعَ الْعَبْدِ أَوْ أَبَى الْمَخْدُومُ الْفِدَاءَ فَدَاهُ الْمَالِكُ أَوْ يَدْفَعُهُ وَبَطَلَتْ الْوَصِيَّةُ، وَأَرْشُ الْجِنَايَةِ عَلَيْهِ لِلْمَالِكِ كَالْمَوْهُوبِ لَهُ وَكَسْبُهُ إنْ لَمْ تُنْقِصْ الْخِدْمَةُ فَإِنْ نَقَصْتَهَا اُشْتُرِيَ بِالْأَرْشِ خَادِمٌ إنْ بَلَغَ، وَإِلَّا بِيعَ الْأَوَّلُ وَضُمَّ إلَى الْأَرْشِ وَاشْتُرِيَ بِهِ خَادِمٌ، وَلَا قِصَاصَ عَلَى قَاتِلِهِ عَمْدًا مَا لَمْ يَجْتَمِعَا عَلَى قَتْلِهِ، فَإِنْ اخْتَلَفَا ضَمِنَ الْقَاتِلُ قِيمَتَهُ يَشْتَرِي بِهَا آخَرَ؛ فَلَوْ أَعْتَقَهُ الْمَالِكُ نَفَذَ وَضَمِنَ قِيمَتَهُ، يُشْتَرَى بِهَا خَادِمٌ هَكَذَا فِي وَصَايَا الْمُحِيطِ. وَأَمَّا نَفَقَتُهُ: فَإِنْ كَانَ صَغِيرًا لَمْ يَبْلُغْ الْخِدْمَةَ؛ فَنَفَقَتُهُ عَلَى الْمَالِكِ وَإِنْ بَلَغَهَا فَعَلَى الْمُوصَى لَهُ، إلَّا أَنْ يَمْرَضَ مَرَضًا يَمْنَعُهُ مِنْ الْخِدْمَةِ فَهِيَ عَلَى الْمَالِكِ؛ فَإِنْ تَطَاوَلَ الْمَرَضُ بَاعَهُ الْقَاضِي إنْ رَأَى ذَلِكَ وَاشْتَرَى بِثَمَنِهِ عَبْدًا يَقُومُ مَقَامَهُ كَذَا فِي نَفَقَات الْمُحِيطِ. وَأَمَّا صَدَقَةُ فِطْرِهِ فَعَلَى الْمَالِكِ كَمَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ. وَأَمَّا مَا فِي الزَّيْلَعِيِّ مِنْ أَنَّهُ لَا تَجِبُ صَدَقَةُ فِطْرِهِ فَسَبْقُ قَلَمٍ، كَمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، وَيُمْكِنُ حَمْلُهُ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ لَا تَجِبُ عَلَى الْمُوصَى لَهُ بِخِلَافِ نَفَقَتِهِ. وَأَمَّا بَيْعُهُ مِنْ غَيْرِ الْمُوصَى لَهُ، فَلَا يَجُوزُ إلَّا بِرِضَاهُ، فَإِنْ بِيعَ بِرِضَاهُ لَمْ يَنْتَقِلْ حَقُّهُ إلَى الثَّمَنِ إلَّا بِالتَّرَاضِي، ذَكَرَهُ فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ مِنْ الْجِنَايَاتِ، بِخِلَافِ مَا إذَا قُتِلَ خَطَأً وَأُخِذَتْ قِيمَتُهُ يُشْتَرَى بِهَا عَبْدٌ وَيَنْتَقِلُ حَقُّهُ فِيهِ مِنْ غَيْرِ تَجْدِيدٍ، كَالْوَقْفِ إذَا اُسْتُبْدِلَ انْتَقَلَ الْوَقْفُ إلَى بَدَلِهِ. ذَكَرَهُ قَاضِي خَانْ مِنْ الْوَقْفِ، وَكَالْمُدَبَّرِ إذَا قُتِلَ خَطَأً يُشْتَرَى بِقِيمَتِهِ عَبْدٌ وَيَكُونُ بِهِ مُدَبَّرًا مِنْ غَيْرِ تَدْبِيرٍ. ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ مِنْ الْجِنَايَاتِ. وَلَمْ أَرَ حُكْمَ كِتَابَتِهِ مِنْ الْمَالِكِ؛ وَيَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ كَإِعْتَاقِهِ لَا تَصِحُّ إلَّا بِالتَّرَاضِي، وَحُكْمِ إعْتَاقِهِ عَنْ الْكَفَّارَةِ، وَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَجُوزَ لِأَنَّهُ عَادِمُ الْمَنْفَعَةِ لِلْمَالِكِ. وَلَمْ أَرَ حُكْمَ وَطْءِ الْمَالِكِ، وَيَنْبَغِي أَنْ يَحِلَّ لَهُ لِأَنَّهُ تَابِعٌ لِمِلْكِ الرَّقَبَةِ، وَقَيَّدَهُ الشَّافِعِيَّةُ بِأَنْ تَكُونَ مِمَّنْ لَا تَحِلُّ وَإِلَّا فَلَا. الثَّالِثَةَ عَشْرَةَ: تُمْلَكُ الْهِبَةُ وَالصَّدَقَةُ بِالْقَبْضِ، وَيَسْتَقِرُّ الْمِلْكُ فِي الْهِبَةِ بِوُجُودِ مَانِعٍ مِنْ الرُّجُوعِ مِنْ سَبْعَةٍ مَعْلُومَةٍ فِي الْفِقْهِ وَفِي الصَّدَقَةِ بِمَا ذَكَرْنَاهُ فِي أَصْلِ الْمِلْكِ. الرَّابِعَةَ عَشْرَةَ: تَمَلُّكُ الْعَقَارِ لِلشَّفِيعِ بِالْأَخْذِ بِالتَّرَاضِي أَوْ قَضَاءِ الْقَاضِي، فَقَبْلَهُمَا لَا مِلْكَ لَهُ فَلَا تُورَثُ عَنْهُ لَوْ مَاتَ، وَتَبْطُلُ إذَا بَاعَ مَا يَشْفَعُ بِهِ.
تَنْبِيهٌ: قَدْ عَلِمْتُ أَنَّ الْمُوصَى لَهُ وَإِنْ مَلَكَ الْمَنْفَعَةَ لَا يُؤَجِّرُ، وَيَنْبَغِي أَنَّ لَهُ الْإِعَارَةَ: وَأَمَّا الْمُسْتَأْجِرُ فَيُؤَجِّرُ وَيُعِيرُ مَا لَا يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْمُسْتَعْمَلِ، وَالْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ السُّكْنَى لَا يُؤَجِّرُ وَيُعِيرُ، وَالشَّافِعِيَّةُ جَعَلُوا لِذَلِكَ أَصْلًا وَهُوَ: أَنَّ مَنْ مَلَكَ الْمَنْفَعَةَ مَلَكَ الْإِجَارَةَ وَالْإِعَارَةَ، وَمَنْ مَلَكَ الِانْتِفَاعَ مَلَكَ الْإِعَارَةَ لَا الْإِجَارَةَ، وَيَجْعَلُونَ الْمُسْتَعِيرَ وَالْمُوصَى لَهُ بِالْمَنْفَعَةِ مَالِكًا لِلِانْتِفَاعِ فَقَطْ، وَهَذَا يَتَخَرَّجُ عَلَى قَوْلِ الْكَرْخِيِّ مِنْ أَنَّ الْإِعَارَةَ إبَاحَةُ الْمَنَافِعِ لَا تَمْلِيكُهَا وَالْمَذْهَبُ عِنْدَنَا أَنَّهَا تَمْلِيكُ الْمَنَافِعِ بِغَيْرِ عِوَضٍ، فَهِيَ كَالْإِجَارَةِ تَمَلُّكُ الْمَنَافِعِ، وَإِنَّمَا لَا يَمْلِكُ الْمُسْتَعِيرُ الْإِجَارَةَ لِأَنَّهُ مَلَكَ الْمَنْفَعَةَ بِغَيْرِ عِوَضٍ فَلَا يَمْلِكُ أَنْ يَمْلِكَهَا بِعِوَضٍ، وَلِأَنَّهُ لَوْ مَلَكَ الْإِجَارَةَ لَمَلَكَ أَكْثَرَ مِمَّا مَلَكَ، فَإِنَّهُ مَلَكَ الْمَنْفَعَةَ بِلَا عِوَضٍ فَيَمْلِكُهَا نَظِيرَ مِلْكٍ، وَلِأَنَّهُ لَوْ مَلَكَهَا لَلَزِمَ أَحَدُ الْأَمْرَيْنِ غَيْرُ الْجَائِزَيْنِ: لُزُومُ الْعَارِيَّةِ أَوْ عَدَمُ لُزُومِ الْإِجَارَةِ. وَهَذَانِ التَّعْلِيلَانِ يَشْمَلَانِ الْمَوْقُوفَ عَلَيْهِ وَالْمُسْتَعِيرَ وَهُمَا سَوَاءٌ عَلَى الرَّاجِحِ، فَيَمْلِكُ الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ السُّكْنَى الْمَنْفَعَةَ كَالْمُسْتَعِيرِ، وَقِيلَ: إنَّ مَا أُبِيحَ لَهُ الِانْتِفَاعُ، وَهُوَ ضَعِيفٌ كَانَ لَهُ الْإِعَارَةُ. وَتَمَامُهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ مِنْ الْوَقْفِ. وَأَمَّا الْإِجَارَةُ الْمُقْطَعُ مَا أَقَطَعَهُ الْإِمَامُ؛ فَأَفْتَى الْعَلَّامَةُ قَاسِمُ بْنُ قُطُلُوبُغَا بِصِحَّتِهَا، قَالَ: وَلَا أَثَرَ لِجَوَازِ إخْرَاجِ الْإِمَامِ لَهُ فِي أَثْنَاءِ الْمُدَّةِ كَمَا لَا أَثَرَ لِجَوَازِ مَوْتِ الْمُؤَجِّرِ فِي أَثْنَائِهَا؛ وَلَا لِكَوْنِهِ مَلَكَ مَنْفَعَةً لَا فِي مُقَابَلَةِ مَالٍ؛ فَهُوَ نَظِيرُ الْمُسْتَأْجِرِ لِأَنَّهُ مَلَكَ مَنْفَعَةَ الْإِقْطَاعِ بِمُقَابَلَةِ اسْتِعْدَادِهِ لِمَا أَعَدَّ لَهُ لَا نَظِيرَ الْمُسْتَعِيرِ لِمَا قُلْنَا، وَإِذَا مَاتَ الْمُؤَجِّرُ أَوْ أَخْرَجَ الْإِمَامُ الْأَرْضَ عَنْ الْمُقْطَعِ تَنْفَسِخُ الْإِجَارَةُ لِانْتِقَالِ الْمِلْكِ إلَى غَيْرِ الْمُؤَاجِرِ. كَمَا لَوْ انْتَقَلَ الْمِلْكُ فِي النَّظَائِرِ الَّتِي خَرَجَ عَلَيْهَا إجَارَةُ الْإِقْطَاعِ، وَهِيَ إجَارَةُ الْمُسْتَأْجِرِ، وَإِجَارَةُ الْعَبْدُ الَّذِي صُولِحَ عَلَى خِدْمَتِهِ مُدَّةً مَعْلُومَةً. وَإِجَارَةُ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ الْغَلَّةُ وَإِجَارَةُ الْعَبْدِ الْمَأْذُونِ مَا يَجُوزُ عَلَيْهِ عَقْدُ الْإِجَارَةِ مِنْ مَالِ التِّجَارَةِ وَإِجَارَةُ أُمِّ الْوَلَدِ. (انْتَهَى). وَقَدْ أَلَّفْتُ رِسَالَةً فِي الْإِقْطَاعَاتِ وَأُخْرَى سَمَّيْتُهَا التُّحْفَةُ الْمَرْضِيَّةُ فِي (الْأَرَاضِي الْمِصْرِيَّةِ) وَفِيمَا أَفْتَى بِهِ الْعَلَّامَةُ قَاسِمٌ التَّصْرِيحُ بِأَنَّ لِلْإِمَامِ أَنْ يُخْرِجَ الْإِقْطَاعَ عَنْ الْمُقْطِعِ مَتَى شَاءَ، وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا أَقَطَعَهُ أَرْضًا عَامِرَةً مِنْ بَيْتِ الْمَالِ، أَمَّا إذَا أَقَطَعَهُ مَوَاتًا مِنْ بَيْتِ الْمَالِ فَأَحْيَاهَا، لَيْسَ لَهُ إخْرَاجُهُ عَنْهُ لِأَنَّهُ صَارَ مَالِكًا لِلرَّقَبَةِ، كَمَا ذَكَرَهُ أَبُو يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي كِتَابِ الْخَرَاجِ.
وَعَرَّفَهُ فِي الْحَاوِي الْقُدْسِيِّ بِأَنَّهُ: عِبَارَةٌ عَنْ مَالٍ حُكْمِيٍّ يَحْدُثُ فِي الذِّمَّةِ بِبَيْعٍ أَوْ اسْتِهْلَاكٍ أَوْ غَيْرِهِمَا. وَإِيفَاؤُهُ وَاسْتِيفَاؤُهُ لَا يَكُونُ إلَّا بِطَرِيقِ الْمُقَاصَّةِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ. مِثَالُهُ: إذَا اشْتَرَى ثَوْبًا بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ صَارَ الثَّوْبُ مِلْكًا لَهُ، وَحَدَثَ بِالشِّرَاءِ فِي ذِمَّتِهِ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ مِلْكًا لِلْبَائِعِ؛ فَإِذَا دَفَعَ الْمُشْتَرِي عَشَرَةً إلَى الْبَائِعِ وَجَبَ مِثْلُهَا فِي ذِمَّةِ الْبَائِعِ دَيْنًا، وَقَدْ وَجَبَ لِلْبَائِعِ عَلَى الْمُشْتَرِي عَشَرَةٌ بَدَلًا عَنْ الثَّوْبِ، وَوَجَبَ لِلْمُشْتَرِي عَلَى الْبَائِعِ مِثْلُهَا بَدَلًا عَنْ الْمَدْفُوعَةِ إلَيْهِ فَالْتَقَيَا قِصَاصًا. (انْتَهَى). وَتَفَرَّعَ عَلَى أَنَّ طَرِيقَ إيفَائِهِ إنَّمَا هُوَ الْمُقَاصَّةُ أَنَّهُ لَوْ أَبْرَأَهُ عَنْهُ بَعْدَ قَضَائِهِ صَحَّ وَرَجَعَ الْمَدْيُونُ عَلَى الدَّائِنِ بِمَا دَفَعَهُ، وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ فِي الْمُدَايَنَاتِ مِنْ قِسْمِ الْفَوَائِدِ وَاخْتُصَّ الدَّيْنُ بِأَحْكَامٍ: مِنْهَا جَوَازُ الْكَفَالَةِ بِهِ إذَا كَانَ دَيْنًا صَحِيحًا وَهُوَ مَا لَا يَسْقُطُ إلَّا بِالْأَدَاءِ وَالْإِبْرَاءِ؛ فَلَا يَجُوزُ بِبَدَلِ الْكِتَابَةِ؛ لِأَنَّهُ يَسْقُطُ بِدُونِهِمَا بِالتَّعْجِيزِ. وَمِنْهَا جَوَازُ الرَّهْنِ بِهِ؛ فَلَا تَجُوزُ الْكَفَالَةُ وَالرَّهْنُ بِالْأَعْيَانِ الْأَمَانَةِ وَالْمَضْمُونَةُ بِغَيْرِهَا كَالْمَبِيعِ. وَأَمَّا الْمَضْمُونَةُ بِنَفْسِهَا كَالْمَغْصُوبِ وَبَدَلِ الْخُلْعِ وَالْمَهْرِ وَبَدَلِ الصُّلْحِ عَنْ دَمِ الْعَمْدِ وَالْمَبِيعِ فَاسِدًا وَالْمَقْبُوضِ عَلَى سَوْمِ الشِّرَاءِ، فَتَصِحُّ الْكَفَالَةُ وَالرَّهْنُ بِهَا؛ لِأَنَّهَا مُلْحَقَةٌ بِالدُّيُونِ، قَالَ الْأُسْيُوطِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ مَعْزِيًّا إلَى السُّبْكِيّ فِي تَكْمِلَةِ شَرْحِ الْمُهَذَّبِ:
فَرْعٌ: حَدَثَ فِي الْأَعْصَارِ الْقَرِيبَةِ؛ وَقْفُ كُتُبٍ اشْتَرَطَ الْوَاقِفُ أَنْ لَا تُعَارَ إلَّا بِرَهْنٍ أَوْ لَا تَخْرُجَ مِنْ مَكَانِ تَحْبِيسِهَا إلَّا بِرَهْنٍ أَوْ لَا تَخْرُجَ أَصْلًا. وَاَلَّذِي أَقُولُ فِي هَذَا: أَنَّ الرَّهْنَ لَا يَصِحُّ بِهَا؛ لِأَنَّهَا غَيْرُ مَضْمُونَةٍ فِي يَدِ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ، وَلَا يُقَالُ لَهَا عَارِيَّةٌ أَيْضًا، بَلْ الْأَخْذُ بِهَا إنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْوَقْفِ اسْتَحَقَّ الِانْتِفَاعَ وَيَدُهُ عَلَيْهَا يَدُ أَمَانَةٍ. فَشَرْطُ أَخْذِ الرَّهْنِ عَلَيْهَا فَاسِدٌ، وَإِنْ أَعْطَاهُ كَانَ رَهْنًا فَاسِدًا، وَيَكُونُ فِي يَدِ خَازِنِ الْكُتُبِ أَمَانَةً؛ لِأَنَّ الْفَاسِدَ مِنْ الْعُقُودِ فِي الضَّمَانِ كَصَحِيحِهَا، وَالرَّهْنُ أَمَانَةٌ، هَذَا إذَا أُرِيدَ الرَّهْنُ الشَّرْعِيُّ، وَإِنْ أُرِيدَ مَدْلُولُهُ لُغَةً وَأَنْ يَكُونَ تَذْكِرَةً، فَيَصِحُّ الشَّرْطُ؛ لِأَنَّهُ غَرَضٌ صَحِيحٌ، وَإِذَا لَمْ يُعْرَفْ مُرَادُ الْوَاقِفِ فَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ بِالْبُطْلَانِ فِي الشَّرْطِ الْمَذْكُورِ حَمْلًا عَلَى الْمَعْنَى الشَّرْعِيِّ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ بِالصِّحَّةِ حَمْلًا عَلَى الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ، وَهُوَ الْأَقْرَبُ تَصْحِيحًا لِلْكَلَامِ مَا أَمْكَنَ، وَحِينَئِذٍ لَا يَجُوزُ إخْرَاجُهَا بِدُونِهِ، وَإِنْ قُلْنَا بِبُطْلَانِهِ لَمْ يَجُزْ إخْرَاجُهَا بِهِ لِعُذْرِهِ وَلَا بِدُونِهِ، إمَّا؛ لِأَنَّهُ خِلَافٌ لِشَرْطِ الْوَاقِفِ وَإِمَّا لِفَسَادِ الِاسْتِثْنَاءِ، فَكَأَنَّهُ قَالَ لَا تَخْرُجْ مُطْلَقًا، وَلَوْ قَالَ ذَلِكَ صَحَّ؛ لِأَنَّهُ شَرْطٌ فِيهِ غَرَضٌ صَحِيحٌ؛ لِأَنَّ إخْرَاجَهَا مَظِنَّةُ ضَيَاعِهَا، بَلْ يَجِبُ عَلَى نَاظِرِ الْوَقْفِ أَنْ يُمَكِّنَ كُلَّ مَنْ يَقْصِدُ الِانْتِفَاعَ بِتِلْكَ الْكُتُبِ فِي مَكَانِهَا، وَفِي بَعْضِ الْأَوْقَافِ يَقُولُ لَا تَخْرُجْ إلَّا بِتَذْكِرَةٍ وَهَذَا لَا بَأْسَ بِهِ وَلَا وَجْهَ لِبُطْلَانِهِ، وَهُوَ كَمَا حَمَلْنَا عَلَيْهِ قَوْلَهُ إلَّا بِرَهْنٍ فِي الْمَدْلُولِ اللُّغَوِيِّ، فَيَصِحُّ وَيَكُونُ الْمَقْصُودُ أَنَّ تَجْوِيزَ الْوَاقِفِ الِانْتِفَاعَ لِمَنْ يَخْرُجُ بِهِ مَشْرُوطٌ بِأَنْ يَضَعَ فِي خِزَانَةِ الْوَقْفِ مَا يَتَذَكَّرُ هُوَ بِهِ إعَادَةَ الْمَوْقُوفِ؛ وَيَتَذَكَّرُ الْخَازِنُ مُطَالَبَتَهُ فَيَنْبَغِي أَنْ يَصِحَّ هَذَا، وَمَتَى أَخَذَهُ عَلَى غَيْرِ هَذَا الْوَجْهِ الَّذِي شَرَطَهُ الْوَاقِفُ يَمْتَنِعُ. وَلَا نَقُولُ بِأَنَّ تِلْكَ التَّذْكِرَةَ تَبْقَى رَهْنًا بَلْ لَهُ أَنْ يَأْخُذَهَا، فَإِذَا أَخَذَهَا طَالَبَهُ الْخَازِنُ بِرَدِّ الْكِتَابِ وَيَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَرُدَّهُ أَيْضًا بِغَيْرِ طَلَبٍ، وَلَا يَبْعُدُ أَنْ يُحْمَلَ قَوْلُ الْوَاقِفِ الرَّهْنَ عَلَى هَذَا الْمَعْنَى حَتَّى يَصِحَّ إذَا ذَكَرَهُ بِلَفْظِ الرَّهْنِ تَنْزِيلًا لِلَّفْظِ عَلَى الصِّحَّةِ مَا أَمْكَنَ، وَحِينَئِذٍ يَجُوزُ إخْرَاجُهُ بِالشَّرْطِ الْمَذْكُورِ وَيَمْتَنِعُ لِغَيْرِهِ، لَكِنْ لَا تَثْبُتُ لَهُ أَحْكَامُ الرَّهْنِ وَلَا يَسْتَحِقُّ بَيْعَهُ وَلَا بَدَلَ الْكِتَابِ الْمَوْقُوفِ، إذَا تَلِفَ بِغَيْرِ تَفْرِيطٍ، وَلَوْ تَلِفَ بِتَفْرِيطٍ ضَمِنَهُ، وَلَكِنْ لَا يَتَعَيَّنُ ذَلِكَ الْمَرْهُونُ لِوَفَائِهِ وَلَا يَمْتَنِعُ عَلَى صَاحِبِهِ التَّصَرُّفُ فِيهِ. (انْتَهَى). وَقَوْلُ أَصْحَابِنَا لَا يَصِحُّ الرَّهْنُ بِالْأَمَانَاتِ شَامِلٌ لِلْكُتُبِ الْمَوْقُوفَةِ، وَالرَّهْنُ بِالْأَمَانَاتِ بَاطِلٌ. فَإِذَا هَلَكَ لَا يَجِبُ شَيْءٌ بِخِلَافِ الرَّهْنِ الْفَاسِدِ فَإِنَّهُ مَضْمُونٌ كَالصَّحِيحِ، وَأَمَّا وُجُوبُ اتِّبَاعِ شَرْطِهِ وَحَمْلِهِ عَلَى الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ فَغَيْرُ بَعِيدٍ. وَمِنْهَا صِحَّةُ الْإِبْرَاءِ عَنْهُ؛ فَلَا يَصِحُّ الْإِبْرَاءُ عَنْ الْأَعْيَانِ، وَالْإِبْرَاءُ عَنْ دَعْوَاهَا صَحِيحٌ. فَلَوْ قَالَ: أَبْرَأْتُك عَنْ دَعْوَى هَذِهِ الْعَيْنِ صَحَّ الْإِبْرَاءُ، فَلَا تُسْمَعُ دَعْوَاهُ بِهَا بَعْدَهُ، وَلَوْ قَالَ: بَرِئْت مِنْ هَذِهِ الدَّارِ أَوْ مِنْ دَعْوَى هَذِهِ لَمْ تُسْمَعْ دَعْوَاهُ وَبَيِّنَتُهُ، وَلَوْ قَالَ: أَبْرَأْتُك عَنْهَا أَوْ عَنْ خُصُومَتِي فِيهَا فَهُوَ بَاطِلٌ، وَلَهُ أَنْ يُخَاصِمَ وَإِنَّمَا أَبْرَأَهُ عَنْ ضَمَانِهِ، كَذَا فِي النِّهَايَةِ مِنْ الصُّلْحِ وَفِي كَافِي الْحَاكِمِ مِنْ الْإِقْرَارِ: لَا حَقَّ لِي قَبْلَهُ يَبْرَأُ مِنْ الْعَيْنِ وَالدَّيْنِ وَالْكَفَالَةِ وَالْإِجَارَةِ وَالْحَدِّ وَالْقِصَاصِ. (انْتَهَى). وَبِهِ عُلِمَ أَنَّهُ يَبْرَأُ مِنْ الْأَعْيَانِ فِي الْإِبْرَاءِ الْعَامِّ. لَكِنْ فِي مُدَايَنَاتِ الْقُنْيَةِ: افْتَرَقَ الزَّوْجَانِ وَأَبْرَأَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا صَاحِبَهُ عَنْ جَمِيعِ الدَّعَاوَى، وَكَانَ لِلزَّوْجِ بَذْرٌ فِي أَرْضِهَا وَأَعْيَانٌ قَائِمَةٌ؛ فَالْحَصَادُ وَالْأَعْيَانُ الْقَائِمَةُ لَا تَدْخُلُ فِي الْإِبْرَاءِ عَنْ جَمِيعِ الدَّعَاوَى. (انْتَهَى). وَتَدْخُلُ فِي الْإِبْرَاءِ الْعَامِّ الشُّفْعَةُ فَهُوَ مُسْقِطٌ لَهَا قَضَاءً لَا دِيَانَةً إنْ لَمْ يَقْصِدْهَا، كَمَا فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ، وَفِي الْخِزَانَةِ: الْإِبْرَاءُ عَنْ الْعَيْنِ الْمَغْصُوبَةِ إبْرَاءٌ عَنْ ضَمَانِهَا، وَتَصِيرُ أَمَانَةً فِي يَدِ الْغَاصِبِ، وَقَالَ زُفَرُ رَحِمَهُ اللَّهُ: لَا يَصِحُّ الْإِبْرَاءُ وَتَبْقَى مَضْمُونَةً وَلَوْ كَانَتْ الْعَيْنُ مُسْتَهْلَكَةً صَحَّ الْإِبْرَاءُ وَبَرِئَ مِنْ قِيمَتِهَا. (انْتَهَى). فَقَوْلُهُمْ الْإِبْرَاءُ عَنْ الْأَعْيَانِ بَاطِلٌ؛ مَعْنَاهُ أَنَّهَا لَا تَكُونُ مِلْكًا لَهُ بِالْإِبْرَاءِ وَإِلَّا فَالْإِبْرَاءُ عَنْهَا لِسُقُوطِ الضَّمَانِ صَحِيحٌ أَوْ يُحْمَلُ عَلَى الْأَمَانَةِ. الثَّالِثُ قَبُولُ الْأَجَلِ فَلَا يَصِحُّ تَأْجِيلُ الْأَعْيَانِ؛ لِأَنَّ الْأَجَلَ شُرِعَ رِفْقًا لِلتَّحْصِيلِ وَالْعَيْنُ حَاصِلَةٌ.
فَوَائِدُ: الْأُولَى: لَيْسَ فِي الشَّرْعِ دَيْنٌ لَا يَكُونُ إلَّا حَالًّا إلَّا: رَأْسُ مَالِ السَّلَمِ، وَبَدَلُ الصَّرْفِ. وَالْقَرْضِ وَالثَّمَنِ بَعْدَ الْإِقَالَةِ، وَدَيْنُ الْمَيِّتِ وَمَا أَخَذَ بِهِ الشَّفِيعُ الْعَقَارَ، كَمَا كَتَبْنَاهُ فِي شَرْحِ الْكَنْزِ عِنْدَ قَوْلِهِ: وَصَحَّ تَأْجِيلُ كُلِّ دَيْنٍ إلَّا الْقَرْضَ. وَلَيْسَ فِيهِ دَيْنٌ لَا يَكُونُ إلَّا مُؤَجَّلًا إلَّا الدِّيَةُ وَالْمُسْلَمُ فِيهِ. وَأَمَّا بَدَلُ الْكِتَابَةِ فَيَصِحُّ عِنْدَنَا حَالًّا وَمُؤَجَّلًا. الثَّانِيَةُ: مَا فِي الذِّمَّةِ لَا يَتَعَيَّنُ إلَّا بِقَبْضٍ؛ وَلِهَذَا لَوْ كَانَ لَهَا دَيْنٌ بِسَبَبٍ وَاحِدٍ فَقَبَضَ أَحَدُهُمَا نَصِيبَهُ فَإِنَّ لِشَرِيكِهِ أَنْ يُشَارِكَهُ. وَيَصِحُّ تَفْرِيقُهُ عَلَى أَنَّ مَا فِي الذِّمَّةِ لَا تَصِحُّ قِسْمَتُهُ. الثَّالِثُ: الْأَجَلُ لَا يَحِلُّ قَبْلَ وَقْتِهِ إلَّا بِمَوْتِ الْمَدْيُونِ وَلَوْ حُكْمًا بِاللَّحَاقِ مُرْتَدًّا بِدَارِ الْحَرْبِ وَلَا يَحِلُّ بِمَوْتِ الدَّائِنِ. وَأَمَّا الْحَرْبِيُّ إذَا اسْتَرَقَ وَلَهُ دَيْنٌ مُؤَجَّلٌ؛ فَنَقُولُ بِسُقُوطِ الدَّيْنِ مُطْلَقًا لَا بِسُقُوطِ الْأَجَلِ فَقَطْ، كَمَا قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ. وَأَمَّا الْجُنُونُ فَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ لَا يُوجِبُ الْحُلُولَ لِإِمْكَانِ التَّحْصِيلِ بِوَلِيِّهِ. الرَّابِعَةُ: الْحَالُّ يَقْبَلُ التَّأْجِيلَ إلَّا مَا قَدَّمْنَاهُ وَالْحِيلَةُ فِي لُزُومِ تَأْجِيلِ الْقَرْضِ شَيْئَانِ: حُكْمُ الْمَالِكِيِّ بِلُزُومِهِ بَعْدَ مَا ثَبَتَ عِنْدَهُ أَصْلُ الدَّيْنِ، أَوْ أَنْ يُحِيلَ الْمُسْتَقْرِضُ صَاحِبَ الْمَالِ عَلَى رَجُلٍ إلَى سَنَةٍ أَوْ سَنَتَيْنِ فَيَصِحُّ وَيَكُونُ الْمَالُ عَلَى الْمُحْتَالِ عَلَيْهِ إلَى ذَلِكَ الْوَقْتِ. وَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ: الْحَالُ لَا يَقْبَلُهُ بَعْدَ اللُّزُومِ إلَّا إذَا نَذَرَ أَنْ لَا يُطَالِبَهُ بِهِ إلَّا بَعْدَ شَهْرٍ أَوْ أَوْصَى بِذَلِكَ. وَشَرْطُ التَّأْجِيلِ الْقَبُولُ وَإِلَّا فَلَا يَصِحُّ. وَالْمَالُ حَالٌّ، وَشَرْطُهُ أَيْضًا أَنْ لَا يَكُونَ مَجْهُولًا جَهَالَةً مُتَفَاحِشَةً، فَلَا يَصِحُّ التَّأْجِيلُ إلَى مَهَبِّ الرِّيحِ وَمَجِيءِ الْمَطَرِ، وَيَصِحُّ إلَى الْحَصَادِ وَالدِّيَاسِ، وَإِنْ كَانَ الْبَيْعُ لَا يَجُوزُ بِثَمَنٍ مُؤَجَّلٍ إلَيْهِمَا، كَذَا فِي الْقُنْيَةِ.
تَنْبِيهٌ. قَالَ الدَّائِنُ لِلْمَدْيُونِ: اذْهَبْ وَاعْطِنِي كُلَّ شَهْرٍ كَذَا. فَلَيْسَ بِتَأْجِيلٍ؛ لِأَنَّهُ أَمْرٌ بِالْإِعْطَاءِ الْخَامِسَةُ: لَا يَصِحُّ تَمْلِيكُهُ مِنْ غَيْرِ مَنْ هُوَ عَلَيْهِ إلَّا إذَا سَلَّطَهُ عَلَى قَبْضِهِ فَيَكُونُ وَكِيلًا قَابِضًا لِلْمُوَكِّلِ ثُمَّ لِنَفْسِهِ، وَمُقْتَضَاهُ صِحَّةُ عَزْلِهِ عَنْ التَّسْلِيطِ قَبْلَ الْقَبْضِ وَفِي وَكَالَةِ الْوَاقِعَاتِ الْحُسَامِيَّةِ. لَوْ قَالَ: وَهَبْت مِنْك الدَّرَاهِمَ الَّتِي لِي عَلَى فُلَانٍ فَاقْبِضْهَا مِنْهُ، فَقَبَضَ مَكَانَهَا دَنَانِيرَ جَازَ؛ لِأَنَّهُ صَارَ الْحَقُّ لِلْمَوْهُوبِ لَهُ فَيَمْلِكُ الِاسْتِبْدَالَ. (انْتَهَى). وَهُوَ مُقْتَضٍ لِعَدَمِ صِحَّةِ الرُّجُوعِ عَنْ التَّسَلُّطِ. وَفِي مُنْيَةِ الْمُفْتِي مِنْ الزَّكَاةِ: لَوْ تَصَدَّقَ بِالدَّيْنِ الَّذِي عَلَى فُلَانٍ عَلَى زَيْدٍ بِنِيَّةِ الزَّكَاةِ وَأَمَرَهُ بِقَبْضِهِ فَقَبَضَهُ أَجْزَأَهُ ذَلِكَ. وَمِنْ هِبَةِ الْبَزَّازِيَّةِ: وَهَبَ لَهُ دَيْنًا عَلَى رَجُلٍ وَأَمَرَهُ بِقَبْضِهِ جَازَ اسْتِحْسَانًا، وَإِنْ لَمْ يَأْمُرْهُ لَا. وَبَيْعُ الدَّيْنِ لَا يَجُوزُ، وَلَوْ بَاعَهُ مِنْ الْمَدْيُونِ أَوْ وَهَبَهُ جَازَ وَالْبِنْتُ لَوْ وُهِبَتْ مَهْرَهَا مِنْ أَبُوهَا أَوْ ابْنِهَا الصَّغِيرِ مِنْ هَذَا الزَّوْجِ. إنْ أُمِرَتْ بِالْقَبْضِ صَحَّتْ وَإِلَّا لَا؛ لِأَنَّهُ هِبَةُ الدَّيْنِ مِنْ غَيْرِ مَنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ. (انْتَهَى). وَفِي مُدَايَنَاتِ الْقُنْيَةِ: قَضَى دَيْنَ غَيْرِهِ لِيَكُونَ لَهُ مَا عَلَى الْمَطْلُوبِ فَرَضِيَ جَازَ ثُمَّ رَقَّمَ لِآخَرَ بِخِلَافِهِ: وَلَوْ أَعْطَى الْوَكِيلُ بِالْبَيْعِ لِلْآمِرِ الثَّمَنَ مِنْ مَالِهِ قَضَاءً عَلَى الْمُشْتَرِي عَلَى أَنْ يَكُونَ الثَّمَنُ لَهُ كَانَ الْقَضَاءُ عَلَى هَذَا فَاسِدًا وَيَرْجِعُ الْبَائِعُ عَلَى الْآمِرِ بِمَا أَعْطَاهُ وَكَانَ الثَّمَنُ عَلَى الْمُشْتَرِي عَلَى حَالِهِ. (انْتَهَى). ثُمَّ قَالَ فِيهَا: لَوْ قَالَتْ الْمَهْرُ الَّذِي لِي عَلَى زَوْجِي لِوَالِدَيَّ لَا يَجُوزُ إقْرَارُهَا بِهِ. (انْتَهَى). وَخَرَجَ عَنْ تَمْلِيكِ الدَّيْنِ لِغَيْرِ مَنْ هُوَ عَلَيْهِ الْحَوَالَةُ؛ فَإِنَّهَا كَذَلِكَ مَعَ صِحَّتِهَا كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ الزَّيْلَعِيُّ مِنْهَا. وَخَرَجَ أَيْضًا الْوَصِيَّةُ بِهِ لِغَيْرِ مَنْ هُوَ عَلَيْهِ فَإِنَّهَا جَائِزَةٌ كَمَا فِي وَصَايَا الْبَزَّازِيَّةِ؛ فَالْمُسْتَثْنَى ثَلَاثٌ. وَفَرَّعَ الْإِمَامُ الْأَعْظَمُ رَحِمَهُ اللَّهُ عَلَى عَدَمِ صِحَّةِ تَمْلِيكِهِ مِنْ غَيْرِ مَنْ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَوْ وَكَّلَهُ بِشِرَاءِ عَبْدٍ بِمَا عَلَيْهِ وَلَمْ يُعَيِّنْ الْمَبِيعَ وَالْبَائِعَ لَمْ يَصِحَّ التَّوْكِيلُ. وَصَحَّ إنْ عَيَّنَ أَحَدَهُمَا. وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ لَوْ وَكَّلَ مَدْيُونَهُ بِأَنْ يَتَصَدَّقَ بِمَا عَلَيْهِ؛ فَإِنَّهُ يَصِحُّ مُطْلَقًا، وَلَوْ وَكَّلَ الْمُسْتَأْجِرَ بِأَنْ يُعَمِّرَ الْعَيْنَ مِنْ الْأُجْرَةِ صَحَّ. وَقَدْ أَوْضَحْنَاهُ فِي وَكَالَةِ الْبَحْرِ. السَّادِسَةُ: لَا تَجِبُ الزَّكَاةُ فِيهِ إذَا كَانَ الْمَدْيُونُ جَاحِدًا وَلَوْ لَهُ بَيِّنَةٌ عَلَيْهِ، فَلَوْ كَانَ عَلَى مُقِرٍّ وَجَبَتْ، إلَّا إذَا كَانَ مُفْلِسًا؛ فَإِذَا قَبَضَ أَرْبَعِينَ. مِمَّا أَصْلُهُ بَدَلُ تِجَارَةٍ وَجَبَ عَلَيْهِ دِرْهَمٌ. وَقَدْ بَيَّنَّاهُ فِي كِتَابِ الزَّكَاةِ مِنْ شَرْحِ الْكَنْزِ.
الْأَوَّلُ: الْمَاءُ فِي الطَّهَارَةِ؛ يَمْنَعُ الدَّيْنُ وُجُوبَ شِرَائِهِ لِقَوْلِ الزَّيْلَعِيِّ فِي آخِرِ بَابِ التَّيَمُّمِ: " وَالْمُرَادُ بِالثَّمَنِ الْفَاضِلُ عَنْ حَاجَتِهِ ". الثَّانِي: السُّتْرَةُ كَذَلِكَ فِيمَا يَنْبَغِي وَلَمْ أَرَهُ. الثَّالِثُ: الزَّكَاةُ، وَالْمُرَادُ بِهِ فِيهَا، مَا لَهُ مَطَالِبُ مِنْ الْعِبَادِ؛ فَلَا يَمْنَعُ دَيْنَ النَّذْرِ وَالْكَفَّارَاتِ. وَدَيْنُ الزَّكَاةِ مَانِعٌ. الرَّابِعُ: الْكَفَّارَةُ. وَاخْتُلِفَ فِي مَنْعِهِ وُجُوبَهَا، وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يَمْنَعُهُ بِالْمَالِ كَمَا فِي شَرْحِنَا عَلَى الْمَنَارِ مِنْ بَحْثِ الْأَمْرِ. الْخَامِسُ: صَدَقَةُ الْفِطْرِ، وَاتَّفَقُوا عَلَى مَنْعِهِ وُجُوبَهَا.
تَنْبِيهٌ: دَيْنُ الْعَبْدِ لَا يَمْنَعُ وُجُوبَ صَدَقَةِ فِطْرِهِ، وَيَمْنَعُ وُجُوبَ زَكَاتِهِ لَوْ كَانَ لِلتِّجَارَةِ كَمَا بَيَّنَّاهُ فِيهِ مِنْ ذَلِكَ الْمَحَلِّ. السَّادِسُ: الْحَجُّ يَمْنَعُهُ اتِّفَاقًا. السَّابِعُ: نَفَقَةُ الْقَرِيبِ، وَيَنْبَغِي أَنْ يَمْنَعَهَا؛ لِأَنَّ الْفَتْوَى عَلَى عَدَمِ وُجُوبِهَا إلَّا بِمِلْكِ نِصَابِ حِرْمَانِ الصَّدَقَةِ. الثَّامِنُ: ضَمَانُ سِرَايَةِ الْإِعْتَاقِ، وَلَا يَمْنَعُهُ؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ لَا يَمْنَعُ دَيْنًا آخَرَ التَّاسِعُ: الدِّيَةُ، لَا تَمْنَعُ وُجُوبَهَا. الْعَاشِرُ: الْأُضْحِيَّةُ، يَمْنَعُهَا كَصَدَقَةِ الْفِطْرِ.
تَتِمَّةٌ: قَدَّمْنَا أَنَّهُ لَا يَمْنَعُ مِلْكَ الْوَارِثِ لِلتَّرِكَةِ إنْ لَمْ يَكُنْ مُسْتَغْرِقًا، وَيَمْنَعُهُ إنْ كَانَ مُسْتَغْرِقًا وَيَمْنَعُ نَفَاذَ الْوَصِيَّةِ وَالتَّبَرُّعِ مِنْ الْمَرِيضِ، وَيُبِيحُ أَخْذَ الزَّكَاةِ، وَالدَّفْعُ إلَى الْمَدْيُونِ أَفْضَلُ.
إذَا هَلَكَ الْمَالُ فِي الزَّكَاةِ بَعْدَ وُجُوبِهَا لَا تَبْقَى فِي ذِمَّتِهِ وَلَوْ بَعْدَ التَّمَكُّنِ مِنْ دَفْعِهَا وَطَلَبِ السَّاعِي، بِخِلَافِ مَا إذَا اسْتَهْلَكَهُ، وَصَدَقَةُ الْفِطْرِ لَا تَسْقُطُ بَعْدَ وُجُوبِهَا بِهَلَاكِ الْمَالِ وَكَذَا الْحَجُّ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ مُعْسِرًا وَقْتَ الْوُجُوبِ ثُمَّ أَيْسَرَ بَعْدَهُ فَإِنَّهُمَا لَا يَجِبَانِ، وَمَا يُخَيَّرُ فِيهِ بَيْنَ الصَّوْمِ وَغَيْرِهِ فَلَا فَرْقَ فِيهِ بَيْنَ الْغَنِيِّ وَالْفَقِيرِ. كَجَزَاءِ الصَّيْدِ. وَفِدْيَةِ الْحَلْقِ وَاللِّبَاسِ وَالطِّيبِ لِعُذْرٍ. وَكَفَّارَةُ الْيَمِينِ، وَمَا يَكُونُ الصَّوْمُ مَشْرُوطًا بِإِعْسَارِهِ كَكَفَّارَةِ الْفِطْرِ فِي رَمَضَانَ وَكَفَّارَةِ الظِّهَارِ وَكَفَّارَةِ الْقَتْلِ وَدَمِ التَّمَتُّعِ وَالْقِرَانِ فَيُفَرَّقُ فِيهِ بَيْنَهُمَا، فَالِاعْتِبَارُ لِإِعْسَارِهِ وَقْتُ تَكْفِيرِهِ بِالصَّوْمِ، وَكَذَا يُفَرَّقُ فِي فَدِيَةِ الشَّيْخِ الْفَانِي، فَلَا وُجُوبَ عَلَى الْفَقِيرِ، فَإِذَا أَيْسَرَ لَا يَلْزَمُهُ الْإِخْرَاجُ.
أَمَّا حُقُوْقُ اللهِ تَعَالَى كَالزَّكَاةِ وَصَدَقَةِ الْفِطْرِ فَتَسْقُطُ بِالْمَوْتِ، وَإِنَّمَا الْكَلَامُ فِي حُقُوقِ الْعِبَادِ، فَإِنْ وَقَّتَ التَّرِكَةَ بِالْكُلِّ فَلَا كَلَامَ؛ وَإِلَّا قُدِّمَ. الْمُتَعَلِّقُ بِالْعَيْنِ كَالرَّهْنِ عَلَى مَا تَعَلَّقَ بِالذِّمَّةِ، وَإِذَا أَوْصَى بِحُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى قُدِّمَتْ الْفَرَائِضُ، وَإِنْ أَخَّرَهَا كَالْحَجِّ وَالزَّكَاةِ وَالْكَفَّارَاتِ، وَإِنْ تَسَاوَتْ فِي الْقُوَّةِ بَدَأَ بِمَا بَدَأَ بِهِ، وَإِذَا اجْتَمَعَتْ الْوَصَايَا لَا يُقَدِّمُ الْبَعْضَ عَلَى الْبَعْضِ. إلَّا الْعِتْقَ وَالْمُحَابَاةَ، وَلَا مُعْتَبَرَ بِالتَّقْدِيمِ وَالتَّأْخِيرِ مَا لَمْ يَنُصَّ عَلَيْهِ. وَتَمَامُهُ فِي وَصَايَا الزَّيْلَعِيِّ.
تَذْنِيبٌ: فِيمَا يُقَدَّمُ عِنْدَ الِاجْتِمَاعِ مِنْ غَيْرِ الدُّيُونِ ثَلَاثَةٌ فِي السَّفَرِ: جُنُبٌ وَحَائِضٌ وَمَيِّتٌ، وَثَمَّةَ مَاءٌ يَكْفِي لِأَحَدِهِمْ؛ فَإِنْ كَانَ الْمَاءُ مِلْكًا لِأَحَدِهِمْ فَهُوَ أَوْلَى بِهِ، وَإِنْ كَانَ لَهُمْ جَمِيعًا لَا يُصْرَفُ لِأَحَدِهِمْ وَيَجُوزُ التَّيَمُّمُ لِلْكُلِّ، وَإِنْ كَانَ الْمَالُ مُبَاحًا كَانَ الْجُنُبُ أَوْلَى بِهِ؛ لِأَنَّ غُسْلَهُ فَرِيضَةٌ وَغُسْلُ الْمَيِّتِ سُنَّةٌ. الرَّجُلُ يَصْلُحُ إمَامًا لِلْمَرْأَةِ فَيَغْتَسِلُ الْجُنُبُ وَتَتَيَمَّمُ الْمَرْأَةُ وَيُيَمَّمُ الْمَيِّتُ، وَلَوْ كَانَ الْمَاءُ بَيْنَ الْأَبِ وَالِابْنِ فَالْأَبُ أَوْلَى بِهِ؛ لِأَنَّ لَهُ حَقَّ تَمَلُّكِ مَالِ الِابْنِ، وَلَوْ وَهَبَ لَهُمْ قَدْرَ مَا يَكْفِي لِأَحَدِهِمْ؛ قَالُوا: الرَّجُلُ أَوْلَى بِهِ؛ لِأَنَّ الْمَيِّتَ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ قَبُولِ الْهِبَةِ، وَالْمَرْأَةُ لَا تَصْلُحُ لِإِمَامَةِ الرَّجُلِ. قَالَ مَوْلَانَا: وَهَذَا الْجَوَابُ إنَّمَا يَسْتَقِيمُ عَلَى قَوْلِ مَنْ يَقُولُ إنَّ هِبَةَ الْمُشَاعِ فِيمَا يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ لَا تُفِيدُ الْمِلْكَ وَإِنْ اتَّصَلَ بِهِ الْقَبْضُ، كَذَا فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ. وَمُرَادُهُ مِنْ قَوْلِهِ أَنَّ غُسْلَ الْمَيِّتِ سُنَّةٌ؛ أَنَّ وُجُوبَهُ بِهَا، بِخِلَافِ غُسْلِ الْجُنُبِ فَإِنَّهُ فِي الْقُرْآنِ. وَيَنْبَغِي أَنْ يَلْحَقَ بِمَا إذَا كَانَ مُبَاحًا: مَا إذَا أَوْصَى بِهِ لِأَحْوَجِ النَّاسِ وَلَا يَكْفِي إلَّا لِأَحَدِهِمْ. وَأَمَّا مَنْ بِهِ نَجَاسَةٌ وَهُوَ مُحْدِثٌ وَوَجَدَ مَاءً يَكْفِي لِأَحَدِهِمَا؛ فَإِنَّهُ يَجِبُ صَرْفُهُ إلَى النَّجَاسَةِ كَمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ مِنْ الْأَنْجَاسِ. وَعَلَى هَذَا لَوْ كَانَ مَعَ الثَّلَاثَةِ ذُو نَجَاسَةٍ يُقَدَّمُ عَلَيْهِمْ وَلَمْ أَرَهُ. اجْتَمَعَتْ جِنَازَةٌ وَسُنَّةٌ وَقْتِيَّةٌ، قُدِّمَتْ الْجِنَازَةُ. وَأَمَّا إذَا اجْتَمَعَ كُسُوفٌ وَجُمُعَةٌ أَوْ فَرْضُ وَقْتٍ لَمْ أَرَهُ. وَيَنْبَغِي تَقْدِيمُ الْفَرْضِ إنْ ضَاقَ الْوَقْتُ. وَإِلَّا الْكُسُوفُ؛ لِأَنَّهُ يُخْشَى فَوَاتُهُ بِالِانْجِلَاءِ. وَلَوْ اجْتَمَعَ عِيدٌ وَكُسُوفٌ وَجِنَازَةٌ، يَنْبَغِي تَقْدِيمُ الْجِنَازَةِ. وَكَذَا لَوْ اجْتَمَعَتْ مَعَ جُمُعَةٍ وَفَرْضٍ وَلَمْ يُخَفْ خُرُوجُ وَقْتِهِ، وَيَنْبَغِي أَيْضًا تَقْدِيمُ الْخُسُوفِ عَلَى الْوِتْرِ وَالتَّرَاوِيحِ. وَأَمَّا الْحُدُودُ إذَا اجْتَمَعَتْ فَفِي الْمُحِيطِ: وَإِذَا اجْتَمَعَ حَدَّانِ وَقُدِرَ عَلَى دَرْءِ أَحَدِهِمَا دُرِئَ، وَإِنْ كَانَ مِنْ أَجْنَاسٍ مُخْتَلِفَةٍ، بِأَنْ اجْتَمَعَ حَدُّ الزِّنَا وَالسَّرِقَةِ وَالشُّرْبِ وَالْقَذْفِ وَالْفَقْءِ؛ بَدَأَ بِالْفَقْءِ فَإِذَا بَرِئَ حُدَّ لِلْقَذْفِ فَإِذَا بَرِئَ إنْ شَاءَ بَدَأَ بِالْقَطْعِ وَإِنْ شَاءَ بَدَأَ بِحَدِّ الزِّنَا، وَحَدُّ الشُّرْبِ آخِرُهَا لِثُبُوتِهِ بِالِاجْتِهَادِ مِنْ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ، وَإِنْ كَانَ مُحْصَنًا يُبْدَأُ بِالْفَقْءِ ثُمَّ بِحَدِّ الْقَذْفِ ثُمَّ بِالرَّجْمِ وَيُلْغَى غَيْرُهَا. (انْتَهَى). وَلَوْ اجْتَمَعَ التَّعْزِيرُ وَالْحُدُودُ؛ قُدِّمَ التَّعْزِيرُ عَلَى الْحُدُودِ فِي الِاسْتِيفَاءِ لِتَمَحُّضِهِ حَقًّا لِلْعَبْدِ كَذَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ، وَلَمْ أَرَ الْآنَ مَا إذَا اجْتَمَعَ قَتْلُ الْقِصَاصِ وَالرِّدَّةِ وَالزِّنَا، وَيَنْبَغِي تَقْدِيمُ الْقِصَاصِ قَطْعًا لِحَقِّ الْعَبْدِ، وَأَمَّا إذَا اجْتَمَعَ قَتْلُ الزِّنَا وَالرِّدَّةِ، وَيَنْبَغِي تَقْدِيمُ الرَّجْمِ؛ لِأَنَّ بِهِ يَحْصُلُ مَقْصُودُهُمَا، بِخِلَافِ مَا إذَا قُدِّمَ قَتْلُ الرِّدَّةِ فَإِنَّهُ يَفُوتُ الرَّجْمُ. وَإِذَا قُدِّمَ قَتْلُ الْقِصَاصُ وَهُوَ الْقَتْلُ بِالسَّيْفِ حَصَلَ مَقْصُودُ الْقِصَاصِ وَالرِّدَّةِ وَإِنْ فَاتَ الرَّجْمُ.
فَرْعٌ: تَقْرُبُ مِنْ هَذِهِ الْمَسَائِلِ مَسَائِلُ اجْتِمَاعِ الْفَضِيلَةِ وَالنَّقِيصَةِ. فَمِنْهَا الصَّلَاةُ أَوَّلَ الْوَقْتِ بِالتَّيَمُّمِ وَآخِرَهُ بِالْوُضُوءِ؛ فَعِنْدَنَا يُسْتَحَبُّ التَّأْخِيرُ إنْ كَانَ طَمِعَ فِي وُجُودِ الْمَاءِ آخِرَهُ، وَإِلَّا فَالتَّقْدِيمُ أَفْضَلُ. وَلَمْ أَرَ لِأَصْحَابِنَا رَحِمَهُمُ اللَّهُ أَنَّهُ يَتَيَمَّمُ فِي أَوَّلِهِ وَيُصَلِّي؛ فَإِذَا وَجَدَهُ آخِرَهُ تَوَضَّأَ وَصَلَّى ثَانِيًا، وَلَا يَبْعُدُ الْقَوْلُ بِأَفْضَلِيَّتِهِ، وَقَالَ الشَّافِعِيَّةُ: إنَّهُ النِّهَايَةُ فِي تَحْصِيلِ الْفَضِيلَةِ. وَمِنْهَا لَوْ صَلَّى مُنْفَرِدًا صَلَّى فِي الْوَقْتِ الْمُسْتَحَبِّ، وَإِنْ أَخَّرَ عَنْهُ صَلَّى مَعَ الْجَمَاعَةِ فَالْأَفْضَلُ التَّأْخِيرُ. وَمِنْهَا لَوْ كَانَ بِحَيْثُ لَوْ أَسْبَغَ الْوُضُوءَ تَفُوتُهُ الْجَمَاعَةُ وَلَوْ اقْتَصَرَ عَلَى مَرَّةٍ أَدْرَكَهَا؛ فَيَنْبَغِي تَفْضِيلُ الِاقْتِصَارِ لِإِدْرَاكِهَا. وَمِنْهَا غَسْلُ الرِّجْلَيْنِ أَفْضَلُ مِنْ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ لِمَنْ يَرَى جَوَازَهُ وَإِلَّا فَهُوَ أَفْضَلُ، وَكَذَا بِحَضْرَةِ مَنْ لَا يَرَاهُ. وَمِنْهَا التَّوَضُّؤُ مِنْ الْحَوْضِ أَفْضَلُ مِنْ النَّهْرِ بِحَضْرَةِ مَنْ لَا يَرَاهُ، وَإِلَّا لَا. وَمِنْهَا لَوْ خَافَ فَوْتَ الرَّكْعَةِ لَوْ مَشَى إلَى الصَّفِّ، فَفِي الْيَتِيمَةِ: الْأَفْضَلُ إدْرَاكُهُ فِي الرُّكُوعِ، وَقَوْلُ النَّوَوِيِّ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ لَمْ أَرَ فِيهِ لِأَصْحَابِنَا وَلَا لِغَيْرِهِمْ شَيْئًا فَقُصُورٌ. وَمِنْهَا لَوْ كَانَ بِحَيْثُ لَوْ صَلَّى فِي بَيْتِهِ صَلَّى قَائِمًا وَلَوْ صَلَّى فِي الْمَسْجِدِ لَمْ يَقْدِرْ عَلَيْهِ؛ فَفِي الْخُلَاصَةِ: يَخْرُجُ إلَى الْمَسْجِدِ وَيُصَلِّي قَاعِدًا. وَمِنْهَا لَوْ كَانَ بِحَيْثُ لَوْ صَلَّى قَاعِدًا قَدَرَ عَلَى سُنَّةِ الْقِرَاءَةِ وَإِنْ صَلَّى قَائِمًا لَا، قَعَدَ وَقَرَأَهَا. وَمِنْهَا لَوْ ضَاقَ الْوَقْتُ عَنْ سُنَنِ الطَّهَارَةِ أَوْ الصَّلَاةِ تَرَكَهَا وُجُوبًا وَلَوْ ضَاقَ الْوَقْتُ الْمُسْتَحَبُّ عَنْ اسْتِيعَابِ السُّنَنِ، يَنْبَغِي تَقْدِيمُ الْمُؤَكَّدَةِ ثُمَّ الصَّلَاةُ فِي الْمُسْتَحَبِّوَمِنْهَا تَقْدِيمُ الدَّيْنِ الْمُقَرِّ بِهِ فِي الصِّحَّةِ وَمَا كَانَ مَعْلُومَ السَّبَبِ عَلَى الدَّيْنِ الْمُقَرِّ بِهِ فِي الْمَرَضِ. وَمِنْهَا بَابُ الْإِمَامَةِ؛ يُقَدَّمُ الْأَعْلَمُ ثُمَّ الْأَقْرَأُ ثُمَّ الْأَوْرَعُ ثُمَّ الْأَسَنُّ ثُمَّ الْأَصْبَحُ وَجْهًا ثُمَّ الْأَحْسَنُ خُلُقًا ثُمَّ الْأَحْسَنُ زَوْجَةً ثُمَّ مَنْ لَهُ جَاهٌ ثُمَّ الْأَنْظَفُ ثَوْبًا ثُمَّ الْمُقِيمُ عَلَى الْمُسَافِرِ ثُمَّ الْحُرُّ الْأَصْلِيُّ عَلَى الْمُعْتَقِ ثُمَّ الْمُتَيَمِّمُ عَنْ الْحَدَثِ عَلَى الْمُتَيَمِّمِ عَنْ الْجَنَابَةِ، وَتَمَامُهُ فِي الشَّرْحِ. وَيَقْرَبُ مِنْ هَذِهِ الْمَسَائِلِ بَعْضُ خِصَالِ الْكَفَاءَةِ يُقَابِلُ الْبَعْضَ فَالْعَالِمُ الْعَجَمِيُّ كُفُؤٌ لِلْعَرَبِيَّةِ وَلَوْ شَرِيفَةً وَعِلْمُهُ يُقَابِلُ نَسَبَهَا وَكَذَا شَرَفُهُ.
خَاتِمَةٌ: لَا يُقَدَّمُ أَحَدٌ فِي التَّزَاحُمِ عَلَى الْحُقُوقِ إلَّا بِمُرَجِّحٍ. وَمِنْهُ السَّبْقُ كَالِازْدِحَامِ فِي الدَّعْوَى وَالْإِفْتَاءِ وَالدَّرْسِ، فَإِنْ اسْتَوَوْا فِي الْمَجِيءِ أُقْرِعَ بَيْنَهُمْا.
|